وأما الطراغوذيات الجهادية فقد ذكر أنها يدخلها المغضبات فى تقويمها وذكر له مثالا. وقد كان نوع من الطراغوذيات الجهادية القديمة قد يتعدى فيها إلى ذكر النقائص. وكان السبب فيه ضعف نحيزة الشعراء الذين كانوا يقولون أشعار التعبد فكانوا يقعون فى مخالفتهم، فلم يكن ذلك طراغوذيا صرفة، بل مخلوطة بقوموذيا. وكان شعر هؤلاء شعر المعاذير، مثل رجلين سماهما: فانهما لما صارا فى آخر أمرهما من النساك المتقين أنشدا فى المراثى أشياء لاتتناسب، فكانا لا يخيلان أيضا بالمفزعات والمحزنات ويوردان فى تقويم الأمر ما يورده الشعراء المفلقون.
ويجب أن لا تكون الخرافة موردة مورد الشك حتى تكون كأنها تفسر على التخيل، فان هذا أولى بأن يخيل جدا كما كان يفعله فلان، وإن كان فعله غير مخلوط بصناعة تصديقية وشىء يحتاج إلى مقدمات. وفد كان بعضهم يقدمون مقدمات شعرية للتعجيب بالتشبيه والمحاكاة فقط دون القول الموجه نحو الانفعال.
فيجب فى الشعر أن يحاكى الأفعال المنسوبة إلى الأفاضل وإلى الممدوحين من الأصدقاء بما يليق بهم وبمقابلها للأعداء، وأحدهما مدح والآخر ذم. وأما القسم الثالث فتشبيه صرف. وأما عدو العدو، وصديق الصديق، وصديق العدو، وعدو الصديق — فليس يكون ممدوحا أو مذموما لذلك، بل لأن يكون مع ذلك صديقا أو عدوا ويكون المدح بذكر أفعال تصدر عن علم. وأما علم بلا فعل وفعل بلا علم فلايحسن به مدح أوذم. وإذا مدح لذلك أو ذم، استقذر القول ونسب إلى السفسافية، وكذلك الاقتصار على صرف المحاكاة فى هذه الأبواب قول هذر، ولذلك يقل فى أشعارهم. وقد حكى لذلك من الاستدلال أمثلة لهم. فهذا ما يقال فى «التقويم».
صفحة ١٨٨