فيجب أن يكون أجزاء طراغوذيا هى المتوسطة فى العظم. ولذلك فان الحيوان الصغير ليس ببهى، والتعليم القصير المدة الذى يخلط الكل بعضه ببعض ويرده إلى واحد لقصره ليس بجيد، ويكون كمن يرى حيوانا من بعد شديد فانه لا يمكن أن يراه؛ ولا أيضا يمكن أن يراه وهو شديد القرب، بل المتوسط هو السهل الادراك السهل الرؤية. كذلك يجب أن يكون الطول فى الخرافات محصلا ومما يمكن أن يحفظ فى الذكر. وأما طول الأقاويل التى يتنازع فيها والتصديقات التى للصناعة الخطابية فان ذلك غير محصل ولا محدود، بل بحسب مبدأ المحاورة فيه. وأما طراغوذيا فانه شىء محصل الطول والوزن. ولو كان مما يكون بالمجاهدة والمفاوضة، لكانت تلك المفاوضة لا تحدد بنفسها إلا أن يقتصر بها على وقت محدود يحدد بفنجان الساعات. وكذلك لا يجب أن يوكل أمر تقدير طول القصائد إلى مدة المفاوضات، بل يجب أن يكون لها طول وتقدير معتدل كالطبيعى، وأن بكونٙ الاشتمالات التى فيه، التى ذكرنا أنها توجب الانتقالات، محدودة الأزمنة، لا كما ظن ناس أنه إنما كان القصد فى الطراغوذية الكلام فى معنى بسيط.
ولا يلتفت إلى جميع ما يعرض للشىء فيطول فيه، فان الواحد تعرض له أمور كثيرة، ولذلك لا يوجد أمر واحد له عرض واحد. وكذلك للواحد الجزئى أفعال جزئية بغير نهاية. ولهذا ما يكون الشىء واحد الفعل بالنوع غير واحده بانقسامه بأعراضه وأحوال تقترن به بشخصه. ومن هنا وقع الشك لكثير فى كون الواحد كثيرا. بل يجب أن يراعى نمطا واحدا من الفعل ويتكلم فيه ولا يخلط أفعالا بأفعال وأحوالا بأحوال. فانه كما يجب أن يكون الكلام محدودا من جهة اللفظ، كذلك يجب أن يكون محدودا من جهة المعنى، ويكون فيه من المعانى قدر يوافق الغرض ولا يتعداه إلى أحوال وأعراض للمقول فيه خارجة عنه كما كان يفعله بعض من ذكر. وأما أوميروس فانه كان يخالفهم ويلزم غرضا واحدا. ونعم ما فعل ذلك! سواء كان اعتبر فيه الواجب بحسب الصناعة — فان كل صناعة تقصد غاية واحدة أو غايات محدودة — أو الواجب بحسب الطبيعة، فان الطبيعة تقصد غاية واحدة أو غايات محدودة. وأورد لهذا أمثلة فى شعر أوميروس: أنه لما ذكر إنسانا أو حربا لم يذكر من أحوال ذلك الانسان أو الحرب وما عرض له من الخصومات ولحقه من النكبات إلا المتعلق بالغرض الخاص الذى نحاه.
صفحة ١٨٢