قد استوفينا فى الفن الأول اللام عى الأمور العامة فى الطبيعيات، نم تلوناه بالفن الثانى فى معرفة السماء والعالم والأجرام والصور والحركات الأولى فى عالم الطبيعة، وحققنا أحوال الأجسام التى لا تفسد والتى تفسد، ثم تلوناه بالكلام على الكون والفساد وأسطقساته ثم تلوناه بالكلام على أفعال الكيفيات الأولى وانفعالاتها والأمزجة المتولدة منها، وبقى لنا أن نتكلم على الأمور الكائنة فكانت الجمادات وما لا حس له ولا حركة إرادية أقدمها وأقربها تكونا من العناصر فتكلمنا فيها فى الفن الخامس، وبقى لنا من العلم النظر فى أمور النباتات والحيوانات، ولما كانت النباتات والحيوانات، متجوهرة الذوات عن صورة هى النفس ومادة هى الجسم والأعضاء وكان أولى ما يكون علما بالشىء هو ما يكون من جهة صورته رأينا أن نتكم أولا فى النفس ولم نر أن نبتر علم النفس فنتكلم أولا فى النفس النباتية والنبات ثم فى النفس الحيوانية والحيوان ثم فى النفس الإنسانية والإنسان، وإنما لم نفعل ذلك لسببين أحدهما أن هذا التبتر مما يوعر ضبط علم النفس المناسب بعضه لبعض والثانى أن النبات يشارك الحيوان فى النفس التى لها فعل النمو والتغذية والتوليد ويجب لا محالة أن ينفصل عنه بقوى نفسانية تخص جنسه ثم تخص أنواعه، والذى يمكننا أن نتكلم عليه من أمر نفس النبات هو ما يشارك فيه الحيوان، ولسنا نشعر كثير شعور بالفصول المنوعة لهذا المعنى الجنسى فى النبات، وإذا كان الأمر كذلك لم يكن نسبة هذا القسم من النظر إلى أنه كلام فى النبات أولى منه إلى أنه كلام فى الحيوان إذ كانت نسبة الحيوان إلى هذه النفس نسبة النبات إليها، وكذلك أيضا حال النفس الحيوانية بالقياس إلى الإنسان والحيوانات الأخر، وإذ كنا إنما نريد أن نتكلم فى النفس النباتية والحيوانية من حيث هى مشتركة وكان لا علم بالمخصص إلا بعد العلم بالمشترك وكنا قليلى الاشتغال بالفصول الذاتية لنفس نفس ولنبات نبات ولحيوان حيوان لتعذر ذلك علينا فان الأولى أن نتكم فى النفس فى كتاب واحد، ثم إن أمكننا أن نتكلم فى النبات والحيوان كلاما مخصصا فعلنا، وأكثر ما يمكننا من ذلك يكون متعلقا بأبدانها وبخواص من أفعالها البدنية، فلأن نقدم تعرف أمر النفس ونؤخر تعرف أمر البدن أهدى سبيلا فى التعليم من أن تقدم تعرف أمر البدن ونؤخر تعرف أمر النفس، فإن معونة معرفة أمر النفس فى معرفة الأحوال البدنية أكثر من معونة معرفة أمر البدن فى معرفة الأحوال النفسانية على أن كل واحد منهما معين على الآخر، وليس أحد الطرفين بضرورى التقديم إلا أنا آثرنا أن نقدم الكلام فى النفس لما أبليناه من العذر، فمن شاء أن يغير هذا الترتيب فعل بلا مناقشة لنا معه، فهذا هو الفن السادس، ثم نتلوه فى الفن السابع بالنظر فى أحوال النبات وفى الفن الثامن بالنظر فى أحوال الحيوان، وهناك نختم العلم الطبيعى، ونتلوه بالعلوم الرياضية فى فنون أربعة، ثم نتلو ذلك كله بالعلم الإلهى ونردفه شيئا من علم الأخلاق ونختم كتابنا هذا به.
صفحة ٣