ونقول ليس يمتنع أن تكون هذه القوى متغايرة بالنوع أيضا وتنسب إلى ذات واحدة هى فيها، فأما كيفية تصور هذا فهو أن الأجسام العنصرية يمنعها صرفية التضاد عن قبول الحياة، فكلما أمعنت فى هدم طرف من التضاد ورده إلى التوسط الذى لا ضد له جعلت تضرب إلى شبه بالأجسام السماوية، فتستحق بذلك قبول قوة محيية من الجوهر المفارق المدبر، ثم إذا ازدادت قربا من التوسط ازدادت قبول حياة حتى تبلغ الغاية التى لا يمكن أن يكون أقرب منها إلى التوسط ولا أهدم منها للطرفين المتضادين، فتقبل جوهرا مقارب الشبه من وجه ما للجوهر المفارق كما للجواهر السماوية، فيكون حينئذ ما كان يحدث فى غيره من المفارق يحدث فيه من نفس هذا الجوهر المقبول المتصل به الجوهر، ومثال هذا فى الطبيعيات لنتوهم مكان الجوهر المفارق نارا أو شمسا ومكان البدن جرما يتأثر عن النار، وليكن كرة ما، وليكن مكان النفس النباتية تسخينها إياها ومكان النفس الحيوانية إنارتها فيها ومكان النفس الإنسانية إشعالها فيها نارا، فنقول إن ذلك الجرم المتأثر كالكرة إن كان ليس وضعه من ذلك المؤثر فيه وضعا يقبل الاشتعال منه نارا ولا إضاءته وإنارته ولكن وضعا يقبل تسخينه لم يقبل غير ذلك، فإن كان وضعه وضعا يقبل تسخينه ومع ذلك هو مكشوف له أو مستشف أو على نسبة إليه يستنير بها عنه استنارة قوية فإنه يسخن عنه ويستضىء معا، ويكون الضوء الواقع فيه منه هو مبدأ أيضا مع ذلك المفارق لتسخينه، فإن الشمس إنما تسخن بالشعاع، ثم إن كان الاستعداد أشد وهناك ما من شأنه أن يشتعل من المؤثر الذى من شأنه أن يحرق بقوته أو شعاعه اشتعل فحدثت الشعلة جرما شبيها بالمفارق من وجه، وتكون تلك الشعلة أيضا مع المفارق علة للتنوير والتسخين معا حتى لو بقيت وحدها لاستتم أمر التنوير والتسخين، ومع هذا فقد كان يمكن أن يوجد التسخين وحده أو التسخين والتنوير وحدهما ولم يكن المتأخر منهما مبدأ يفيض عنه المتقدم، وكان إذا اجتمعت الجملة يصير حينئذ كل ما فرض متأخرا مبدأ أيضا للمتقدم وفائضا عنه المتقدم، فهكذا فليتصور الحال فى القوى النفسانية، وسيأتى فى بعض الفنون المتأخرة ما يشرح صورة الأمر فى هذا حيث نتكلم فى تولد الحيوان،
فصل 8 (فى بيان الآلات التى للنفس)
صفحة ٢٦٢