قوله: "على أن جعل" تعليق للمحامد ببعض النعم إشارة إلى عظم أمر العلم الذي وقع التصنيف فيه ودلالة على جلالة قدره والشريعة نعم الفقه وغيره من الأمور الثابتة بالأدلة السمعية المعاني "بني على أربعة أركان قصر الأحكام وأحكمه بالمحكمات غاية الإحكام وجعل المتشابهات مقصورات خيام الاستتار ابتلاء لقلوب الراسخين" فإن إنزال المتشابهات على مذهبنا وهو الوقف اللازم على قوله تعالى: {وما يعلم تأويله إلا الله} [آل عمران:7]
...................................................................... ..........................
كمسألة الرؤية والمعاد وكون الإجماع والقياس حجة وما أشبه ذلك وأصول الشريعة أدلتها الكلية ومباني الأصول ما تبتنى هي عليه من علم الذات والصفات والنبوات وتمهيدها تسويتها وإصلاحها بكونها على وفق الحق ونهج الصواب وفروع الشريعة أحكامها المفصلة المبينة في علم الفقه ومعانيها العلل الجزئية التفصيلية على كل مسألة ودقتها كونها غامضة لطيفة لا يصل إليها كل أحد بسهولة وجميع ذلك نعم تستوجب الحمد، إذ بالشريعة نظام الدنيا وثواب العقبى وبدقة معاني الفقه رفعة درجات العلماء ونيلهم الثواب في دار الجزاء، وفي هذا الكلام إشارة إلى أن علم الأصول فوق الفقه ودون الكلام؛ لأن معرفة الأحكام الجزئية بأدلتها التفصيلية موقوفة على معرفة أحوال الأدلة الكلية من حيث توصل إلى الأحكام الشرعية وهي موقوفة على معرفة الباري وصفاته وصدق المبلغ ودلالة معجزاته ونحو ذلك مما يشتمل عليه علم الكلام الباحث عن أحوال الصانع والنبوة والإمامة والمعاد وما يتصل بذلك على قانون الإسلام.
قوله: "بني على أربعة أركان" بمنزلة البدل من الجملة السابقة شبه الأحكام الشرعية بقصر من جهة أن الملتجئ إليها يأمن من غوائل عدو الدين وعذاب النار فأضاف المشبه به إلى المشبه كما في لجين الماء والأحكام تستند إلى أدلة جزئية ترجع مع كثرتها إلى أربعة دلائل هي أركان قصر الأحكام فذكرها في أثناء الكلام على الترتيب الذي بنى الشارع الأحكام عليها من تقديم الكتاب، ثم السنة، ثم الإجماع، ثم العمل بالقياس ذكر الثلاثة الأول صريحا والقياس بقوله ووضع معالم العلم على مسالك المعتبرين أي القائلين المتأملين في النصوص وعلل الأحكام من قوله تعالى: {فاعتبروا يا أولي الأبصار} [الحشر:2] تقول اعتبرت الشيء إذا نظرت إليه وراعيت والعلم الأثر الذي يستدل به على الطريق عبر به عن علة الحكم التي بها يستدل على ثبوت الحكم في المقيس، فإن قلت: ليس ترتيب الشارع تقديم السنة على الإجماع مطلقا، بل إذا كانت قطعية قلت: الكلام في متن السنة ولا خفاء في تقدمه، وإنما يؤخر حيث يؤخر لعارض الظن في ثبوته، ثم ذكر بعض أقسام الكتاب إشارة إلى أنه كما يشتمل القصر على ما هو غاية في الظهور وعلى ما هو دونه وعلى ما هو غاية في الخفاء والاستتار بحيث لا يصل إليه غير رب القصر وعلى ما هو دونه كذلك قصر الأحكام يشتمل على محكم هو غاية في الظهور ونص هو دونه وعلى متشابه هو غاية في الخفاء ومجمل هو دونه وسيجيء تفسيرها.
صفحة ١١