إليه يصعد الكلم الطيب من محامد لأصولها من مشارع الشرع ماء ولفروعها من قبول القبول نماء على أن جعل أصول الشريعة ممهدة المباني وفروعها رقيقة الحواشي بنى على أربعة أركان قصر الأحكام وأحكمه بالمحكمات غاية الإحكام وجعل المتشابهات مقصورات خيام الاستتار ابتلاء لقلوب الراسخين والنصوص منصة عرائس أبكار أفكار المتفكرين وكشف القناع عن جمال مجملات كتابه بسنة نبيه المصطفى وفصل خطابه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما رفع أعلام الدين بإجماع المجتهدين ووضع معالم العلم على مسالك المعتبرين.
{إليه يصعد الكلم الطيب} [فاطر:10] افتتح بالضمير قبل الذكر ليدل على حضوره في الذهن، فإن ذكر الله تعالى كيف لا يكون في الذهن سيما عند افتتاح الكلام كقوله تعالى: {وبالحق أنزلناه وبالحق نزل} [الإسراء:105] وقوله: {إنه لقرآن كريم} [الواقعة:77] وقوله الطيب صفة الكلم. والكلم إن كان جمعا وكل جمع يفرق بينه وبين واحدة بالتاء يجوز في وصفه التذكير والتأنيث نحو نخل خاوية ونحو "منقعر", "من محامد لأصولها من مشارع
...................................................................... ..........................
قوله: "إليه يصعد" افتتاح غريب واقتباس لطيف أتى بالضمير قبل الذكر دلالة على حضور ذكر الله تعالى في قلب المؤمن سيما عند افتتاح الكلام في أصول الشرع وإشارة إلى أن الله تعالى متعين لتوجه المحامد إليه لا يفتقر إلى التصريح بذكره ولا يذهب الوهم إلى غيره، إذ له العظمة والجلالة ومنه العطاء والنوال وإيماء إلى أن الشارع في العلوم الإسلامية ينبغي أن يكون مطمح نظره ومقصد همته جناب الحق تعالى وتقدس ويقتصر على طلب رضاه ولا يلتفت إلى ما سواه لا يقال: إن ابتدأ المتن بالتسمية فلا إضمار قبل الذكر، وإن لم يبدأ لزم ترك العمل بالسنة؛ لأنا نقول يكفي في العمل بالسنة أن تذكر التسمية باللسان أو تخطر بالبال أو تكتب على قصد التبرك من غير أن تجعل جزءا من الكتاب وعلى كل تقدير يكون الإضمار قبل ذكر المرجع في الكتاب، والصعود الحركة إلى المعالي مكانا وجهة استعير للتوجه إلى العالي قدرا ومرتبة والكلم من الكلمة بمنزلة التمر من التمرة يفرق بين الجنسي وواحده بالتاء، واللفظ مفرد إلا أنه كثيرا ما يسمى جمعا نظرا إلى المعنى الجنسي ولاعتبار جانبي اللفظ والمعنى يجوز في وصفه التذكير والتأنيث قال الله تعالى: {كأنهم أعجاز نخل منقعر} [القمر:20] أي منقطع عن مغارسه ساقط على وجه الأرض وقال: {كأنهم أعجاز نخل خاوية} [الحاقة:7] أي متآكلة الأجواف، ثم الكلم غلب على الكثير لا يستعمل في الواحد ألبتة حتى توهم بعضهم أنها جمع كلمة وليس على حد تمر وتمرة إلا أن الكلم الطيب بتذكير الوصف يدل على ما ذكرنا مع أن "فعلا" ليس من أبنية الجمع فلا ينبغي أن يشك في أنه اسم جمع كتمر وركب وأنه ليس بجمع كنسب ورتب ففي قوله والكلم إن كان جمعا حرازة لا تخفى والصواب، وإن كان بالواو.
صفحة ٩