180

شرح سنن أبي داود للعباد

تصانيف

شرح حديث: (ما أمرت كلما بلت أن أتوضأ)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الاسبتراء.
حدثنا قتيبة بن سعيد وخلف بن هشام المقرئ قالا: حدثنا عبد الله بن يحيى التوأم ح وحدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا أبو يعقوب التوأم عن عبد الله بن أبي مليكة عن أمه عن عائشة ﵂ قالت: (بال رسول الله ﷺ، فقام عمر ﵁ خلفه بكوز من ماء فقال: ما هذا يا عمر؟! فقال: هذا ماء تتوضأ به قال: ما أمرت كلما بلت أن أتوضأ، ولو فعلت لكانت سنة)].
أورد أبو داود ﵀ هذه الترجمة: باب الاستبراء، والاستبراء: هو الاستطابة والاستنجاء والتخلص من أثر الخارج من الإنسان، وقد سبق أن مرت ترجمة أخرى متقدمة في التحذير من عدم التنزه من البول في قصة اللذين يعذبان في قبريهما؛ وأحدهما كان لا يستبرئ من بوله، فذكر الاستبراء هناك، وذكره هنا على اعتبار أن هناك فيه التحذير من التهاون في مسألة البول، وكونه يقع على جسد الإنسان أو يقع على ثيابه فلا يبالي به، وهنا معناه أنه يتخلص منه عندما يجلس لقضاء الحاجة، فلا يقوم إلا وقد تخلص من البول ولم يبق شيء يترتب على استعجاله، بل يبقى في مكانه حتى ينتهي من قضاء حاجته، ويزيل أثر الخارج بالماء أو الحجارة، وقد أورد أبو داود ﵀ حديث أم المؤمنين عائشة ﵂ قالت: (بال رسول الله ﷺ فقام عمر خلفه بكوز من ماء فقال: ما هذا يا عمر؟! فقال: هذا ماء تتوضأ به، قال: ما أمرت كلما بلت أن أتوضأ، ولو فعلت لكانت سنة)].
فسر قوله: (تتوضأ) بشيئين: إما بالوضوء اللغوي الذي هو الاستنجاء به، وهو النظافة والنزاهة وقطع الخارج.
وإما الوضوء الشرعي الذي هو غسل الوجه واليدين ومسح الرأس وغسل الرجلين، ففسر بهذا وبهذا.
والمقصود: أنه في حال قضاء الحاجة يمكن الاستغناء عن الماء بالحجارة، وأنه لا يلزم أن يكون الماء هو الذي يستطاب ويستنجى به، بل يمكن أن الحجارة تكفي، وهذا فيه إشارة إلى أن هذا سائغ وأن هذا سائغ، ولو أن النبي ﷺ التزم الماء لكان ذلك سنة، ولشق على الناس، فهناك مشقة على الناس إذا كان يلزمهم دائمًا أن يكون معهم ماء، وإذا كانوا لا يستنجون إلا بالماء ولا يستنجون بالحجارة، ففي هذا تخفيف على هذه الأمة، وبيان أن الاستنجاء بالحجارة يمكن حتى مع وجود الماء، لكن لا شك أن الماء أتم وأكمل، وما فعله النبي ﷺ فيه بيان أن إزالة آثار الخارج من الإنسان في حال قضاء حاجته تحصل بالماء وبالحجارة، وأن الماء ليس بمتعين، وأن هذا من تخفيف الله ﷿ وتيسيره على هذه الأمة، ويحتمل أن يكون المراد به الوضوء الشرعي الذي له فروض، وهو يدل على أنه لا يلزم بعد كل قضاء حاجة أن الإنسان يتوضأ الوضوء الشرعي، وكذلك أيضًا لا يلزم أن يستنجي بالماء، بل يمكن أن يستنجي بالحجارة، فكل ذلك يدل عليه الحديث، فيحتمل هذا، ويحتمل هذا.
وبعض أهل العلم رجح أنه الوضوء الشرعي، وبعضهم رجح أنه الوضوء اللغوي، وكما هو معلوم لزوم ذلك وتعينه ليس هناك ما يدل عليه، ولكن لا شك أن كون الإنسان يكون دائمًا على وضوء أنه أحسن، ولا شك أنه خير للإنسان أن يكون على وضوء.

11 / 16