شرح نهج البلاغة
محقق
محمد عبد الكريم النمري
الناشر
دار الكتب العلمية
الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٨ هجري
مكان النشر
بيروت
وقيل : بل كان أول وهن دخل عليه ، أن عثمان مر بجبلة بن عمرو الساعدي ، وهو في نادي قومه ، وفي يده جامعة ، فسلم ، فرد القوم عليه ، فقال جبلة : لم تردون على رجل فعل كذا وفعل كذا ؟ ثم قال لعثمان : والله لأطرحن هذه الجامعة في عنقك أو لتتركن بطنتك الخبيثة : مروان وابن عامر وابن أبي سرح ، فمنهم من نزل القرآن بذمه ، ومنهم من أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه . وقيل : إنه خطب يوما وبيده عصا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يخطبون عليها ، فأخذها جهجاه الغفاري من يده ، وكسرها على ركبته ، فلما تكاثرت أحداثه ، وتكاثر طمع الناس فيه ، كتب جمع من أهل المدينة من الصحابة وغيرهم إلى من بالآفاق : إن كنتم تريدون الجهاد ، فهلموا إلينا فإن دين محمد قد أفسده خليفتكم فاخلعوه ، فاختلفت عليه القلوب ، وجاء المصريون وغيرهم إلى المدينة حتى حدث ما حدث .
وروى الواقدي والمدائني وابن الكلبي وغيرهم ، وذكره أبو جعفر في التاريخ ، وذكره غيره من جميع المؤرخين : أن عليا عليه السلام لما رد المصريين ، رجعوا بعد ثلاثة أيام ، فأخرجوا صحيفة في أنبوبة رصاص ، وقالوا : وجدنا غلام عثمان بالموضع المعروف بالبويب على بعير من إبل الصدقة ، ففتشنا متاعه ، لأنا استربنا أمره ، فوجدنا فيه هذه الصحيفة ، مضمونها أمر عبد الله بن سعد بن أبي سرح بجلد عبد الرحمن بن عديس وعمرو بن الحمق ، وحلق رؤوسهما ولحاهما ، وحبسهما ، وصلب قوم آخرين من أهل مصر .
وقيل : إن الذي أخذت منه الصحيفة أبو الأعور السلمي ، وإنهم لما رأوه وسألوه عن مسيره ، وهل معه كتاب ؟ فقال : لا ، فسألوه : في أي شيء هو ؟ فتغير كلامه ، فأخذوه وفتشوه وأخذوا الكتاب منه ، وعادوا إلى المدينة . وجاء الناس إلى علي عليه السلام ، وسألوه أن يدخل إلى عثمان فيسأله عن هذه الحال ، فقام فجاء إليه فسأله ، فأقسم بالله ما كتبته ولا علمته ، ولا أمرت به ، فقال محمد بن مسلمة : صدق ، هذا من عمل مروان ، فقال : لا أدري - وكان أهل مصر حضورا - فقالوا : أفيجترأ علينا ويبعث غلامك على جمل من إبل الصدقة ، وينقش على خاتمك ، ويبعث إلى عاملك بهذه الأمور العظيمة ، وأنت لا تدري ! قال : نعم ، قالوا : إنك إما صادق أو كاذب ، فإن كنت كاذبا فقد استحققت الخلع ، لما أمرت به من قتلنا وعقوبتنا بغير حق ، وإن كنت صادقا فقد استحققت الخلع ، لضعفك عن هذا الأمر وغفلتك ، وخبث بطانتك ، ولا ينبغي لنا أن نترك هذا الأمر بيد من تقطع الأمور دونه لضعفه وغفلته ، فاخلع نفسك منه . فقال : لا أنزع قميصا ألبسنيه الله ، ولكني أتوب وأنزع ، قالوا : لو كان هذا أول ذنب تبت منه لقبلنا ، ولكنا رأيناك تتوب ثم تعود ، ولسنا بمنصرفين حتى نخلعك أو نقتلك أو تلحق أرواحنا بالله ، وإن منعك أصحابك وأهلك قاتلناهم حتى نخلص إليك . فقال : أما أن أبرأ من خلافة الله فالقتل أحب إلي من ذلك ! وأما قتالكم من يمنع عني ، فإني لا آمر أحدا بقتالكم ، فمن قاتلكم فبغير أمري قاتل ، ولو أردت قتالكم لكتبت إلى الأجناد فقدموا علي أو لحقت ببعض الأطراف . وكثرت الأصوات واللغط ، فقام علي فأخرج أهل مصر معه ، وخرج إلى منزله .
صفحة ٩٠