شرح نهج البلاغة
محقق
محمد عبد الكريم النمري
الناشر
دار الكتب العلمية
الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٨ هجري
مكان النشر
بيروت
قال أبو جعفر : فجاء عثمان إلى علي بمنزله ليلا ، فاعتذر إليه ، ووعد من نفسه الجميل ، وقال : إني فاعل ، وإني غير فاعل ، فقال له علي عليه السلام : أبعد ما تلكمت على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأعطيت من نفسك ، ثم دخلت بيتك ، وخرج مروان إلى الناس يشتمهم على بابك ! فخرج عثمان من عنده ، وهو يقول : خذلتني يا أبا الحسن ! وجزأت علي الناس ، فقال علي عليه السلام : والله إن لأكثر الناس ذبا عنك ، ولكني كلما جئت بشيء أظنه لك رضا ، جاء مروان بغيره فسمعت قوله ، وتركت قولي .
ولم يعد علي إلى نصر عثمان ؛ إلى أن منع الماء لما اشتد الحصارعليه ، فغضب علي من ذلك غضبا شديدا ، وقال طلحة : أدخلوا عليه الروايا ، فكره طلحة ذلك وساءه ، فلم يزل علي عليه السلام حتى أدخل الماء إليه .
وروى أبو جعفر أيضا أن عليا عليه السلام كان في ماله بخيبر لما حصر عثمان ، فقدم المدينة والناس مجتمعون على طلحة ، وكان لطلحة في حصار عثمان أثر ، فلما قدم علي عليه السلام أتاه عثمان ، وقال له : أما بعد ، فإن لي حق الإسلام وحق الإخاء والقرابة والصهر ، ولو لم يكن من ذلك شيء وكنا في جاهلية ، لكان عارا على بني عبد مناف أن يبتز بنو تيم أمرهم - يعني طلحة - فقال له علي : أنا أكفيك ، فاذهب أنت .
ثم خرج إلى المسجد فرأى أسامة بن زيد ، فتوكأ على يده حتى دخل دار طلحة وهي مملوءة من الناس ، فقال له : يا طلحة ، ما هذا الأمر الذي صنعت بعثمان ؟ فقال : يا أبا الحسن ، أبعد أن مس الحزام الطبيين ! فانصرف علي عليه السلام حتى أتى بيت المال ، فقال : افتحوه ، فلم يجدوا المفاتيح ، فكسر الباب ، وفرق ما فيه على الناس ؛ فانصرف الناس من عند طلحة حتى بقي وحده ، وسر عثمان بذلك ، وجاء طلحة فدخل على عثمان ، فقال : يا أمير المؤمنين ؛ إني أردت أمرا فحال الله بيني وبينه ، وقد جئتك تائبا ، فقال : والله ما جئت تائبا ولكن جئت مغلوبا ، الله حسيبك يا طلحة ! قال أبو جعفر : كان عثمان مستضعفا ، طمع فيه الناس بأفعاله وباستيلاء بني أمية عليه ، وكان ابتداء الجرأة عليه أن إبلا من إبل الصدقة قدم بها عليه ، فوهبها لبعض ولد الحكم بن أبي العاص ، فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف ، فأخذها وقسمها بين الناس وعثمان في داره ، فكان ذلك أول وهن دخل على خلافة عثمان .
صفحة ٨٩