178

شرح متن أبي شجاع - محمد حسن عبد الغفار

تصانيف

مراتب الاستنجاء
الاستنجاء له مراتب ثلاثة: مرتبة أعلى، ومرتبة وسط، ومرتبة دنيا كما بين المصنف.
أما المرتبة الأعلى: فهي استخدام الأحجار مع استخدام الماء، ويستأنس هذا من الأثر ومن النظر، فمن الأثر: أن الله جل في علاه عندما قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة:٢٢٢]، بأن سبب نزول هذه الآية في أهل قباء: أنهم كانوا يستعملون الحجارة أولًا لإنقاء المحل ثم يستخدمون الماء، فنزلت هذه الآية: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة:٢٢٢].
وهذه دلالة على استحباب هذه الدرجة وهي درجة الكمال، وهذا الحديث فيه ضعف، لكن نستأنس به.
ومن النظر: أن الحجر ينقي المحل من العين، ويأتي الماء على الأثر فيزيل الأثر، وهذه قوة، فهو يزيل أولًا العين ويزيل بعد ذلك الأثر، فهذه مرتبة أعلى وقد فعلها من الصحابة كثير.
وفي المذهب يقولون: إذا كانت المسألة أن القوي إنقاء المحل ثم إزالة الأثر بالماء، فيمكن للإنسان أن يستخدم حجرًا واحدًا لإنقاء المحل، فهل إذا استخدم حجرًا واحدًا صح أن نقول: إنه اعتلى هذه المرتبة أو استلزم هذه المرتبة الأعلى؟ وسبب وجهة النظر عند الشافعية في ذلك أنهم يرون أنه لا يجزئ إلا ثلاثة أحجار كما سنبين.
لكن ضعف العلماء صحة هذه المسألة وقالوا: المقصود الأدنى: إزالة العين، فإذا زالت بحجر ثم أتبع ذلك بالماء فقد اعتلى هذه أو استلزم هذه المرتبة الأعلى دون الوسطية ودون الأدنى.
وهذه المسألة هي درجة أو مرتبة الكمال، ثم مرتبة أخرى: مرتبة الماء، وهي المرتبة الوسطى؛ لأن الماء أقوى ما يكون في إزالة النجاسة، بل لا يستخدم في إزالة النجاسة في المذهب إلا الماء؛ لأن الله جل وعلا قال: ﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان:٤٨].
والنبي ﷺ من قوله ومن فعله قد استخدم الماء كثيرًا كما دل على ذلك الحديث الصحيح عن أنس ﵁ وأرضاه قال: (كان النبي ﷺ يخرج لحاجته فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة فيها ماء، وهذا الماء يستنجي به النبي ﷺ.
وأيضًا المغيرة بن شعبة وهو يصف النبي ﷺ عندما يقضي حاجته يقول: (فبعد حتى توارى عني) ثم آتاه بماء يستنجي به -بأبي هو وأمي- فأكثر ما استخدم النبي ﷺ الماء؛ ولذلك قالت عائشة: (لو أمرتن أزواجكن أن أن يستخدموا الماء فأكثر ما استخدم النبي ﷺ الماء في الإنقاء)، فهذه المرتبة الثانية.
لكن البخاري والمحدثين: أن سعيد بن المسيب وهذا قول عبد الله بن الزبير وبعض الصحابة قالوا: لا يصح ولا يجزئ استخدام الماء إلا للنساء، والرجال لا يصلح أن يستخدموا الماء في الإنقاء؛ لأن الرائحة النتنة تبقى في اليد، والصحيح أن النبي ﷺ استخدم الماء، واستخدم الصحابة الماء، فالمرتبة الثانية استخدام الماء للإنقاء.
المرتبة الأدنى هي: استخدام الحجارة لإنقاء المحل ويعفى عن الأثر، وهذه دلالتها كثيرة من السنة فعلًا وقولًا، أما فعلًا: فإن النبي ﷺ أمر ابن مسعود ﵁ وأرضاه فقال: (ائتني بثلاثة أحجار فأتى ابن مسعود بحجرين وروثة فألقى الروثة)، وهذا في الصحيحين.
وفي السنن: (وأمره أن يأتي بالحجر الثالث)، فاستخدم النبي ﷺ الإنقاء أو الاستنجاء بالحجارة وهذا من فعل النبي ﷺ.
أما من قول النبي ﷺ فحديث سلمان عندما جاء اليهودي يحسد أهل الإسلام على أن النبي ﷺ ما ترك لهم شيئًا إلا علمهم إياه قال: نعم حتى كيفية قضاء الحاجة أو كما قال في التصريح بالكلمة المشهورة في سنن أبي داود.
فهذه دلالة واضحة على أن النبي ﷺ قولًا أمر باستخدام الحجارة وفعلًا بأن فعل ذلك، وهذه كما قلت: مرتبة دنيا.

16 / 5