شرح الكوكب المنير
محقق
محمد الزحيلي ونزيه حماد
الناشر
مكتبة العبيكان
رقم الإصدار
الطبعة الثانية ١٤١٨ هـ
سنة النشر
١٩٩٧ مـ
"وَالإِدْرَاكُ" أَيْ إدْرَاكُ مَاهِيَّةِ الشَّيْءِ "بِلا حُكْمِ" عَلَيْهَا بِنَفْيٍ أَوْ إثْبَاتٍ، "تَصَوُّرٌ" لأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ سِوَى صُورَةِ الشَّيْءِ فِي الذِّهْنِ. "وَبِهِ" أَيْ وَبِالْحُكْمِ؛ يَعْنِي أَنَّ تَصَوُّرَ مَاهِيَّةِ الشَّيْءِ مَعَ الْحُكْمِ عَلَيْهَا بِإِيجَابٍ أَوْ سَلْبٍ "تَصْدِيقٌ" أَيْ يُسَمَّى تَصْدِيقًا١.
وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ التَّصَوُّرَ إدْرَاكُ الْحَقَائِقِ مُجَرَّدَةً عَنْ الأَحْكَامِ، وَأَنَّ التَّصْدِيقَ "إدْرَاكٌ" نِسْبَةٌ حُكْمِيَّةٌ بَيْنَ الْحَقَائِقِ بِالإِيجَابِ أَوْ السَّلْبِ.
وَإِنَّمَا سُمِّيَ التَّصَوُّرُ تَصَوُّرًا؛ لأَخْذِهِ مِنْ الصُّورَةِ، لأَنَّ حُصُولَ صُورَةِ "٢الشَّيْءِ فِي الذِّهْنِ. وَسُمِّيَ التَّصْدِيقُ تَصْدِيقًا: لأَنَّ فِيهِ حُكْمًا، يَصْدُقُ فِيهِ أَوْ يَكْذِبُ. سُمِّيَ بِأَشْرَفِ لازِمَيْ الْحُكْمِ٣ فِي النِّسْبَةِ"٢.
"فَكُلُّ تَصْدِيقٍ مُتَضَمِّنٌ مِنْ مُطْلَقِ"٤ التَّصَوُّرِ ثَلاثَ تَصَوُّرَاتٍ: تَصَوُّرَ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَالْمَحْكُومِ بِهِ مِنْ حَيْثُ هُمَا٥، ثُمَّ تَصَوُّرُ نِسْبَةِ أَحَدِهِمَا لِلآخَرِ، فَالْحُكْمُ يَكُونُ تَصَوُّرًا رَابِعًا؛ لأَنَّهُ تَصَوُّرُ تِلْكَ النِّسْبَةِ مُوجَبَةً، أَوْ تَصَوُّرُهَا مَنْفِيَّةً٦.
١ انظر تفصيل الكلام على التصور والتصديق في "إيضاح المبهم ص٦، فتح الرحمن ص٤٣، المنطلق لمحمد المبارك عبد الله ص١٢ وما بعدها". ٢ ساقطة من ش. ٣ في ع: الحكمة. ٤ ساقطة من ش. ٥ في ش: هو. ٦ وهذا على مذهب الحكماء. وذلك أننا إذا قلنا "زيد قائم"، فقد اشتمل قولنا على تصورات أربعة: ١- تصور الموضوع: وهو زيد. ٢- تصور المحمول: وهو قائم. ٣- تصور النسبة =
1 / 58