شرح حديث النزول
الناشر
المكتب الإسلامي،بيروت
رقم الإصدار
الخامسة
سنة النشر
١٣٩٧هـ/١٩٧٧م
مكان النشر
لبنان
كانوا يراعون لفظ القرآن والحديث فيما يثبتونه وينفونه عن الله من صفاته وأفعاله، فلا يأتون بلفظ محدث مبتدع في النفي والإثبات، بل كل معنى صحيح فإنه داخل فيما أخبر به الرسول ﷺ. والألفاظ المبتدعة ليس لها ضابط، بل كل قوم يريدون بها معنى غير المعنى الذي أراده أولئك؛ كلفظ الجسم، والجهة، والحيز، والجبر ونحو ذلك، بخلاف ألفاظ الرسول فإن مراده بها يعلم كما يعلم مراده بسائر ألفاظه، ولو يعلم الرجل مراده لوجب عليه الإيمان بما قاله مجملًا. ولو قدر معنى صحيح - والرسول ﷺ لم يخبر به - لم يحل لأحد أن يدخله في دين المسلمين، بخلاف ما أخبر به الرسول ﷺ فإن التصديق به واجب.
والأقوال المبتدعة تضمنت تكذيب كثير مما جاء به الرسول ﷺ، وذلك يعرفه من عرف مراد الرسول ﷺ ومراد أصحاب تلك الأقوال المبتدعة. ولما انتشر الكلام المحدث، ودخل فيه ما يناقض الكتاب والسنة، وصاروا يعارضون به الكتاب والسنة، صار بيان مرادهم بتلك الألفاظ وما احتجوا به لذلك من لغة وعقل، يبين للمؤمن ما يمنعه أن يقع في البدعة والضلال، أو يخلص منها - إن كان قد وقع - ويدفع عن نفسه في الباطن والظاهر ما يعارض إيمانه بالرسول ﷺ من ذلك. وهذا مبسوط في موضعه.
والمقصود هنا أن ما جاء به الرسول ﷺ لا يدفع بالألفاظ المجملة كلفظ التجسيم وغيره مما قد يتضمن معنى باطلًا، والنافي له ينفي الحق والباطل. فإذا ذكرت المعاني الباطلة نفرت القلوب. وإذا ألزموه ما يلزمونه من التجسيم - الذي يدعونه نفر إذا قالوا له: هذا يستلزم التجسيم؛ لأن هذا لا يعقل إلا في جسم - لم يحسن نقض ما قالوه، ولم يحسن حله. وكلهم متناقضون.
وحقيقة كلامهم أن ما وصف به الرب نفسه، لا يعقل منه إلا ما يعقل في قليل من المخلوقات التي نشهدها كأبدان بني آدم. وهذا في غاية الجهل؛ فإن من المخلوقات مخلوقات
1 / 79