(مقدمة الشارح)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل الإنسان هو الجامع الصغير، فطوى فيه ما تضمنه العالم الأكبر الذي هو الجامع الكبير وشريف من شاء من نوعه في القديم والحديث. بالهداية إلى خدمة علم الحديث، وأوقد له من مشكاة السنة لاقتباس أنوارها مصباحا وضاحا، ومنحه من مقاليد الأثر مفتاحا فتاحا، والصلاة والسلام على أعلى العالمين منصبا، وأنفسهم نفسا وحسبنا المبعوث بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، حتى أشرق الوجود برسالته ضياء وابتهاجا، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا، ثم على من التزم العمل بقضية هديه العظيم المقدار، من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم إلى يوم القرار، الذين تناقلوا الخبر والأخبار ونوروا مناهج الأقطار بأنوار المآثر والآثار، صلاة وسلاما دائمين ما ظهرت بوازغ شموس الأخبار، ساطعة من آفاق عبارات من أوتي جوامع الكلم والاختصار.
(وبعد) فهذا ما اشتدت إليه حاجة المتفهم، بل وكل مدرس ومعلم، من شرح على الجامع الصغير للحافظ الكبير الإمام الجلال الشهير، ينشر جواهره، ويبرز ضمائره. ويفصح عن لغاته، ويكشف القناع عن إشاراته، ويميط عن وجوه خرائد اللثام، ويسفر عن جمال حور مقصوراته الخيام، ويبين بدائع ما فيه من سحر الكلام، ويدل على ما حواه من درر مجمعة على أحسن نظام ويخدمه بفوائد تقربها العين، وفرائد يقول البحر الزاخر من أين أخذها من أين؟ وتحقيقات تنزاح بها شبه الضالين وتدقيقات ترتاح لها نفوس المنصفين، وتحرق نيرانها أفئدة الحاسدين، لا يعقلها إلا العالمون، ولا يجحدها إلا الظالمون، ولا يغص منها إلا كل مريض الفؤاد، من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فما له من هاد، ومع ذلك فلم آل جهدا في الاختصار والتجافي عن منهج الإكثار فالمؤلفات تتفاضل بالزهر والثمر، لا بالهذر، وبالملح، لا بالكبر، وبجموم اللطائف، لا بتكثير الصحائف وبفخامة الأسرار، لا بضخامة الأسفار، وبرقة الحواشي، لا بكثرة الغواشي، ومؤلف الإنسان على فضله أو نقصه عنوان، وهو بأصغريه اللفظ اللطيف والمعنى الشريف لا بأكبريه اللفظ الكثير والمعنى الكثيف، وهنالك يعرف الفرض من النافلة، وتعرض الإبل فرب مائة لا تجد فيها راحلة، ثم إني بعون أرحم الراحمين لم أدخل بتآليفه في زمرة الناسخين، ولم أسكن بتصنيفه في سوق الغث والسمين، بل أتيت بحمد الله، بشوارد فرائد باشرت
صفحة ١٨