شمائل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
الناشر
دار القمة
رقم الإصدار
-
مكان النشر
الإسكندرية
تصانيف
رسول الله ﷺ بتوبة الله علينا حين صلّى صلاة الفجر، فذهب النّاس يبشّروننا، وذهب قبل صاحبيّ مبشّرون، وركض إلّي رجل فرسا وسعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل وكان الصّوت أسرع من الفرس فلمّا جاءني الّذي سمعت صوته يبشّرني نزعت له ثوبيّ، فكسوته إيّاهما ببشراه، والله ما أملك غيرهما يومئذ: واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت إلى رسول الله ﷺ فيتلقّاني النّاس فوجا فوجا يهنّوني بالتّوبة، يقولون: لتهنك توبة الله عليك.
قال كعب: حتّى دخلت المسجد، فإذا رسول الله ﷺ جالس حوله النّاس، فقام إليّ طلحة بن عبيد الله يهرول حتئ ى صافحني وهنّاني، والله ما قام إليّ رجل من المهاجرين غيره، ولا أنساها لطلحة. قال كعب: فلمّا سلّمت على رسول الله ﷺ قال رسول الله ﷺ وهو يبرق وجهه من السّور: «أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمّك» . قال: قلت: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال: «لا، بل من عند الله» . وكان رسول الله ﷺ إذا سرّ استنار وجهه حتّى كأنّه قطعة قمر، وكنّا نعرف ذلك منه فلمّا جلست بين يديه قلت: يا رسول الله إنّ من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسول الله. قال رسول الله ﷺ: «أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك» . قلت فإنيّ أمسك سهمي الّذي بخيبر.
فقلت: يا رسول الله، إنّ الله إنّما نجّاني بالصّدق، وإنّ من توبتي ألاأحدّث إلّا صدقا ما بقيت، فوالله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله ﷺ أحسن ممّا أبلاني، ما تعمّدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله ﷺ إلى يومي هذا كذبا، وإنيّ لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت، وأنزل الله على رسوله ﷺ لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ ... إلى قوله: وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ، فوالله: ما أنعم الله عليّ من نعمة قطّ بعد أن هداني للإسلام، أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله ﷺ أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الّذين كذبوا، فإنّ الله قال للّذين كذبوا حين أنزل الوحي شرّ ما قال لأحد، فقال ﵎: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ قال كعب: وكنّا تخلّفنا أيّها الثّلاثة عن أمر أولئك الّذين قبل منهم رسول الله ﷺ حين حلفوا له، فبايعهم واستغفر لهم وأرجأ رسول الله ﷺ أمرنا حتئ ى قضى الله فيه، فبذلك قال الله:
وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا، وليس الّذي ذكر الله ممّا خلّفنا عن الغزو، إنّما هو تخليفه إيّانا، وإرجاؤه أمرنا عمّن حلف له واعتذر إلهى فقبل منه) «١» .
(١) البخاري، كتاب: المغازي، باب: حديث كعب بن مالك، برقم (٤٤١٨)، مسلم، كتاب: التوبة، باب: حديث توبة كعب ...، برقم (٢٧٦٩) .
1 / 332