تأليف الشريف المرتضى
مقدمة التحقيق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وآله الطاهرين، وأصحابه الطيبين.
الإمامة رئاسة عامة في أمور الدنيا والدين، وقد أجمع المسلمون على وجوبها إلا ما يحكى عن أبي بكر الأصم من قدماء المعتزلة من عدم وجوبها إذا تناصفت الأمة ولم تتظالم، وقال المتأخرون من أصحابه: إن هذا القول غير مخالف لما عليه الأمة، لأنه إذا كان لا يجوز في العادة أن تستقيم أمور الناس من دون رئيس يحكم بينهم فقد قال بوجوب الإمامة على كل حال (1) ووافق الأصم بذلك النجدات من الخوارج (2).
واختلفوا في دليل وجوبها هل هو العقل أو الشرع أو هما معا في كلام طويل لا مجال لاستعراضه هنا.
ثم بعد أن انعقد الاجماع على وجوب الإمامة صاروا فريقين.
أحدهما أن الإمامة تثبت بالاتفاق والاختيار.
صفحة ١
--- ... الصفحة 6 ... ---
والثاني بأنها ثبتت بالنص والتعيين (1).
والفريق الأول هم جمهور أهل السنة ومعظم الخوارج والزيدية من الشيعة، وفي هذا الفريق من يذهب إلى أنها تثبت أيضا بالقهر والغلبة، فكل من غلب بالسيف وصار إماما وسمي أمير المؤمنين فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماما برا كان أو فاجرا وأنه لا ينعزل بالفسق والظلم، وتعطيل الحدود ولا يخلع ولا يجوز الخروج عليه (2).
واختلف القائلون بالاختيار في كيفية انعقادها فقالت طائفة: لا تنعقد إلا بجمهور أهل الحل والعقد ليكون الرضا عاما، والتسليم لإمامة المختار إجماعا (3).
وقالت طائفة: أقل من تنعقد به الإمامة خمسة يجتمعون على عقدها أو يعقدها أحدهم برضا الأربعة واستدلوا على ذلك بأمرين: أحدهما أن بيعة أبي بكر انعقدت بخمسة أجمعوا عليها ثم تابعهم الناس وهم عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح، وأسيد بن حضير، وبشير بن سعد، وسالم مولى أبي حذيفة.
والثاني تنعقد بواحد لأن عمر عقدها لأبي بكر، ولأن العباس قال لعلي: أمدد يدك أبايعك حتى يقول الناس عم رسول الله بايع ابن عمه فلا يختلف عليك اثنان (4).
صفحة ٢
--- ... الصفحة 7 ... ---
وقال آخرون: تنعقد بثلاثة يتولاها أحدهم برضا الاثنين كما يصح عقد النكاح بولي وشاهدين (1) كما أن هناك خلافا بين هذين الفريقين في شروط الإمامة من حيث القرشية والهاشمية والعدالة بل والحرية، وتعدد الأئمة في زمن واحد إلى غير ذلك من الشرائط التي اختلفوا فيها تجد كل ذلك مبثوثا في كتب الكلام والعقائد والمذاهب والفرق.
أما الفريق الثاني وهم الذين قالوا لا طريق إليه إلا بالنص وهؤلاء ثلاث فرق البكرية والعباسية والإمامية.
فقالت البكرية: إن النبي صلى الله عليه وسلم نص على أبي بكر إشارة وهم جماعة من الحنابلة وأصحاب الحديث وبعض الخوارج.
وقالت الراوندية إنه نص على عمه العباس تلويحا، وقد نشأت هذه الطائفة في صدر الدولة العباسية وناصرهم الجاحظ في رسالة سماها " العباسية " ثم انقرضت هذه الطائفة في زمن قصير.
وقالت الإمامية نص على علي عليه السلام (2) تصريحا وتلويحا، وأن الإمامة عهد الله الذي لا خيرة للعباد فيه وأنها إمرة إلهية كالنبوة وإن كانت دونها مقاما وبعدها منزلة، ولا يجوز للنبي صلى الله عليه وآله أن يترك أمته هملا يرى كل واحد رأيا، ويسلك كل واحد سبيلا، فلا بد من تعيين الإمام، والنص عليه حسما للخلاف، وقطعا لدابر الفتنة، إلى ذلك من الأقوال والأدلة التي ذكروها في كتبهم الكلامية والاعتقادية.
والخلاف في الإمامة بين المسلمين واقع بالفعل من صدر الاسلام إلى يوم الناس حتى قال الشهرستاني: " أعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة --- ... الصفحة 8 ... ---
صفحة ٣
إذ ما سل سيف في الاسلام على قاعدة دينية في كل زمان مثل ما سل على الإمامة في كل زمان " (1) فلا غرابة إذن إذا كثر حولها الكلام، وتصاولت فيها الأقلام، وأفرد فيها عشرات بل مئات الكتب.
وقد كان القاضي عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمداني: ممن جرى في هذا المضمار، وخاض الغمرات في هذا الموضوع فأملى كتابه " المغني في التوحيد والعدل " في عشرين جزء، وجعل الجزء العشرين منه خاصا في الإمامة.
وكان القاضي في أول أمره أشعري الأصول شافعي الفروع، ثم تأثر بمن حضر عندهم من علماء المعتزلة فتحول إلى الاعتزال، ومن جملة من أخذ عنهم إسحق بن عياش المعتزلي المتوفي سنة 336 وكان ابن عياش هذا من معتزلة البصرة من تلاميذ أبي هاشم الجبائي المتوفى سنة 321.
ثم انتقل القاضي إلى بغداد وحضر مجلس أبي عبد الله الحسين بن علي البصري المتوفى سنة 446 مدة من الزمن فكان من أبرز تلامذته، حتى لمع نجمه، وطار صيته فاستدعاه الصاحب أبو القاسم إسماعيل بن عباد وزير فخر الدولة البويهي إلى الري وكان الصاحب واحد زمانه علما وفضلا وتدبيرا وجودة رأي، وكرما، عالما بأنواع العلوم عارفا بالكتب وموادها، ورسائله مشهورة مدونة، وجمع من الكتب ما لم يجمعها غيره حتى أنه كان يحتاج في نقلها إلى أربعمائة جمل (2).
وكان الصاحب سمح الكف، وفير العطاء حتى روي أن عطاياه للعلماء والأدباء والأشراف - يعني ذرية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم - --- ... الصفحة 9 ... ---
صفحة ٤
كانت تزيد على مائة ألف إذ كان كثير الصنائع والبر والاحسان حتى قيل:
إن مدائحه بلغت مائة ألف قصيدة " (1) وكانت نفقاته من مال أبيه وجده، أي ليست من بيت مال المسلمين كما يصنع الخلفاء والأمراء والوزراء فلا عجب - والحال على ما ذكر - أن يكون القاضي من جملة من نال الحظوة عنده، والمنزلة لديه، ولم يمنع الصاحب ما بينهما من الخلاف في المذهب أن يوليه القضاء، ويلقبه بقاضي القضاة، حتى ضاهى - بسبب ذلك - قارون في سعة المال (2)، وأطلق له العنان بنشر أفكاره، وبث آرائه حتى ولو كان فيها ما يناهض عقيدة الصاحب، ويخالف مذهبه وخصوصا في مسألة الإمامة.
ولا يخفى أن حرية الرأي في مختلف الأزمان والأدوار كانت مقتصرة على أصحاب المذهب الرسمي للدولة فلهم أن يقولوا ما شاؤوا، ويحكموا بما أرادوا، أما غيرهم فليس لهم إلا الاتهام بالكفر، والمروق من الدين، وكان الواحد منهم ذا حظ عظيم إذا قنعوا منه بما وسموه به وإلا فعاقبته القتل أو السجن، ومصير كتبه إلى النار.
وعلى سبيل المثال لا الحصر ما ذكره ابن الأثير في الكامل: أنه ورد إلى الخليفة القادر بالله كتاب من السلطان محمود بن سبكتكين أنه حارب الباطنية والمعتزلة والروافض فصلب منهم جماعة وحول من الكتب خمسين حملا ما خلا كتب المعتزلة والفلاسفة والروافض فإنها أحرقت تحت جذوع المصلوبين إذ كانت أصول البدع كما أحرق مكتبة الصاحب بن عباد التي تقدم ذكرها والتي قال عنها أبو الحسن البيهقي " وجدت فهرست تلك الكتب عشر مجلدات " لما ورد الري وقيل له: إن هذه الكتب كتب --- ... الصفحة 10 ... ---
صفحة ٥
الروافض وأهل البدع (1). وقد غالى الأيوبيون في القضاء على كل أثر للشيعة (2) فبعد انقراض دولة الفاطميين ألقي بعضها في النار، والبعض الآخر في النيل، وترك بعضها في الصحراء فسفت عليها الرياح حتى صارت تلالا عرفت بتلال الكتب، واتخذ العبيد من جلودها نعالا (3)، وفي عهد طغرلبك السلجوقي أحرقت كتب الشيخ الطوسي في رحبة جامع النصر (4) كما أحرقت مكتبة بيت الحكمة التي أسسها سابور بن أردشير وزير بهاء الدولة بن بويه وكانت من أغنى دور الكتب في عاصمة العباسيين (5) والتي قال عنها ياقوت: " لم يكن في الدنيا أحسن منها وكانت كلها بخطوط الأئمة المعتبرة. وأصولهم المحررة (6) وقد احترقت عند ورود طغرلبك أول ملوك السلاجقة لأنها كانت خاصة بالشيعة (7) ولعل مما يبعث الأسى والأسف أن الحال في أيامنا هذه على ما كان الحال في عهد السلاجقة وأمثالهم.
وإذا كان الفكر يومئذ مصدرا من مصادر الخطر فلا ينبغي أن يكون في هذه الأيام كذلك لانحسار الأسباب التي كانت تؤول إلى ذلك.
ولقد اقتفى الصاحب بفسح المجال للقاضي وغيره آثار ملوكه من البويهيين، فإنهم أعطوا للناس حريتهم. وسمحوا لهم بإظهار معتقداتهم من دون تفريق وتمييز رغم ما اتهموا به من الغلو في التشيع.
صفحة ٦
--- ... الصفحة 11 ... ---
يقول الأستاذان عبد الوهاب عزام وشوقي ضيف في مقدمتهما لرسائل الصاحب بن عباد: " إن البويهيين على ما يظهر لم يجعلوا أثرا للتشيع في دولتهم، فقد أبقوا على الخلافة العباسية، وساسوا الناس سياسة رشيدة، فلم يفرقوا بين نحلة ونحلة، ومذهب ومذهب، وقد أتخذ عضد الدولة وزيرا نصرانيا، وأذن له في عمارة البيع والأديار (1)، ومساعدة الفقراء من أهل الذمة " (2) لذلك نرى القاضي عبد الجبار الهمداني (3) لم يتق الصاحب ولم يتحاشاه ولم يرع جانبه فيملي آراءه وأقوال مشائخه من المعتزلة في الإمامة بمنتهى الحرية، ويحاول في كتاب الإمامة من المغني أن يفند أقوال الإمامية وعقيدتهم فيها بكل ما أوتي من حول وقوة ويشن عليهم حربا شعواء لا هوادة فيها مما دعا الشريف المرتضى أبا القاسم علي بن الحسين الموسوي المتوفى سنة 436 (4) إلى تأليف كتابه " الشافي في الإمامة " الذي رد فيه على القاضي عبد الجبار، وأبطل حججه، ونقض كتابه المذكور بابا بابا بروح علمية، وأدب في التعبير يتجلى واضحا لمن قارن بين الكتابين.
وقد اختفى المغني حتى ظن أكثر الباحثين أن يد الزمن قد عاثت به --- ... الصفحة 12 ... ---
صفحة ٧
كأكثر مؤلفات القاضي التي قيل أنها كانت أربعمائة ألف ورقة (1) ولم يبق منه إلا ما نقله العلماء في كتبهم حتى نشرته وزارة الثقافة بمصر في عشرين مجلدا، وكان قد اكتشفه في اليمن كل من الدكتور خليل نامي والأستاذ فؤاد سيد فصوراه في جملة مخطوطات عثرا عليها هناك وقد أوكل كل جزء منه إلى اثنين من كبار العلماء والأساتذة، فخرج إلى الناس بورق ناصع، وحرف واضح، وطباعة أنيقة، وكان الجزء العشرون منه الذي هو مختص في الإمامة قد خرج بتحقيق الدكتور الشيخ عبد الحليم محمود والدكتور سليمان دنيا، وبمراجعة الدكتور إبراهيم مدكور وإشراف الدكتور طه حسين.
ومما يثير العجب أن هيئة بهذا الحجم من العلماء تشرف على جزء لا تتجاوز صفحاته الأربعمائة ثم يظهر مليئا بالأغلاط والتحريف والتصحيف ابتداء من مطلع الكتاب حتى الصفحات الأخيرة منه، وقد عرفت بعضها في حواشي الشافي وأعرضت عن بعض لعدم الجدوى، ولو أنهم عارضوا ذلك بما نقله المرتضى في الشافي عن المغني لأراحهم من عناء كثير.
ولا أدري كيف وقعت تلك الأخطاء العديدة في كتاب حققه شيخ الأزهر وأستاذ الفلسفة فيه، وراجعه الدكتور مدكور وأشرف عليه عميد الأدب العربي.
وإليك نموذجات يسيرة منها وأحيلك فيما بقي على هوامش الشافي:
1 - تطالعك في أول صفحة من صفحات الكتاب قبل الدخول في صلبه سطور تنيف على العشرة تضمنت هذه الكلمات: " وأشهد أن الإمام بعده بلا فصل أخيه (كذا)... أمير المؤمنين علي بن أبي --- ... الصفحة 13 ... ---
صفحة ٨
طالب... وأشهد أن الإمامة بعده في ولديه الطاهرين ريحانتا (كذا) " الرسول.. الخ ". والمعلوم أن القاضي لا يرى ذلك ولا يعتقده وإن قال بأفضلية أمير المؤمنين عليه السلام، والمظنون أن هذا الكلام لناسخ الكتاب أو غيره كأنه يشير إلى عدم اعتقاده بما أورده القاضي في الكتاب، ولكن المحققين لم ينبهوا على ذلك بل ولم يصلحوا حتى الأخطاء النحوية فيه.
2 - وفي ق 1 ص 125 " بذكر التبعية " مع أنه ما نقله في الشافي عن المغني " بذكر البيعة ".
3 - وفي ص 277 في قضية أبي ذر لما أخرج من الشام: " فصيره إلى الخدمة " والصواب " إلى المدينة ".
4 - وفي ص 277 " وإذا بكافئة الأخبار " والصحيح " وإذا تكافأت الأخبار ".
5 - وفي ص 279 " وكيف لنا الاجماع " وهي " وكشف لنا الاجماع ".
6 - وفي ص 294 " وأرسل - أي علي عليه السلام - الحسن والحسين وقدير " يعني في قضية حصار عثمان وقال المحقق: " كذا بالأصل " وتركه على حاله مع أن المراد قنبر مولى علي عليه السلام.
وفي ص 343 " يصلح للإمامة فإذا كفكت صلح " وفي الشافي " فإذا كملت صلح ".
8 - وفي ص 350 " لا يؤدي عن غيري " والصحيح " لا يؤدي عني ".
صفحة ٩
--- ... الصفحة 14 ... ---
9 - وفي 2 ص 17 في تأنيب عمر للمغيرة بن شعبة " ودعا له " وصوابها " ردعا له ".
10 - وفي ق 2 ص 54 في قضية ضرب عمار بن ياسر " وما تبعه ذلك " والصحيح " ومما يبعد ذلك " إلى عشرات الأخطاء فابن أم مكتوم " ابن أم كلثوم " وقول عمر لعلي " بخ بخ " صار " لخ لخ " وهكذا ضاعت البخبخة باللخلخة.
ومما يدعو إلى الضحك أن البيتين الآتيين رسما هكذا:
هربا من الحدثان بعد جبيرة القرشي ماتا سبقت منيته المشيب وكاد ينفلت انفلاتا وعلق عليهما المحقق بقوله " تحريف أضاع منه الوزن والمعنى " ولو أنه كلف نفسه البحث عن البيتين لوجدهما في الكامل للمبرد 1 / 348 وظهر له المعنى ولو جعل " ماتا " قافية للبيت الأول لاستقام له الوزن (وعلى هذه فقس ما سواها).
هذا وقد طبع مع " المغني " رد عليه لأحد علماء الزيدية فيما يتعلق بما تكلم فيه من مذهبهم.
وكان " الشافي في الإمامة " للمرتضى قد طبع على الحجر بإيران سنة 1301 ومعه " تلخيص الشافي " للشيخ الطوسي طبعة تتعب بصر المطالع، وتكد ذهنه ثم عزت نسخ الكتاب وكثر الطلب له خصوصا بعد طبع " المغني " وقد عرض علي الأخ الأستاذ الفاضل السيد محمد باقر الخرسان أثناء إقامتي بدمشق أن أقوم بتحقيق الكتاب ليقوم هو بنشره فيما ينشره من كتب التراث فوافق هذا العرض هوى في نفسي ولكن أنى لي أن ألبي هذا الطلب وليس بالامكان أن تتهيأ لي أسبابه، والقيام بهذه المهمة شاق --- ... الصفحة 15 ... ---
صفحة ١٠
وعسير، وكيف يتسنى لي إخراج هذا الكتاب إخراجا فنيا يرضي طلاب العلم، ورواد المعرفة، وأنا مشتت البال، ناء عن الأهل، صفر الكف من المراجع مع قصر الباع، وقلة البضاعة. بل لم أستطع الحصول على نسخة خطية هنا مع الطلب الحثيث، والبحث الشديد ثم بعد أخذ ورد أجبت السيد الخرسان إلى ما طلب فكانت النسخة المطبوعة هي أساس عملي فبدأت في العمل بتصحيحها ثم كلفت الأستاذ العلامة السيد جمال الدين دين برور من الأساتذة اللامعين في مؤسسة نهج البلاغة بطهران أن يبعث إلي بمصور لمخطوطة من الشافي فتفضل مشكورا بمصور لمخطوطة تاريخها سنة 1101 ه كان قد عثر عليها في قم بمكتبة آية الله السيد المرعشي النجفي دامت بركاته فجعلت أقابل المطبوعة بالمخطوطة فوجدت الفروق طفيفة بينهما حتى غلب على ظني أن المطبوعة كانت على هذه المخطوطة أو هما منقولان من أصل واحد، غير أن ناسخ المطبوعة أهمل اختلاف النسخ المشار إليها في حواشي المخطوطة إلا نادرا، وسأشير إلى هذه المخطوطة عند وصف بقية المخطوطات التي رجعت إليها في التحقيق.
ولا أكتم القارئ الكريم أني لم أر الشافي إلا مرة واحدة في مكتبة أحد الأفاضل في النجف الأشرف وكانت نظرتي إليه عجلى لانتزاع غرض لي فيه، وكل ما أعرفه عنه هو ما نقله ابن أبي الحديد في مواضع من شرح نهج البلاغة.
أما عملي فهو تصحيح الكتاب، والرجوع إلى النصوص التي نقلها المرتضى في مصادرها ما وجدت إلى ذلك سبيلا. مع ضبط النصوص اللغوية والتعريف ببعض الأعلام بواجز من القول، وقد ارتأيت أن أوجز أيضا في التعليق كي لا أثقل الكتاب بالحواشي، فأشوه معالمه وقد --- ... الصفحة 16 ... ---
صفحة ١١
جعلت الكتاب أربعة أجزاء وقد كان المؤلف أو الناسخ قد جعله مجلدين وهي مسألة اعتبارية.
وبعد أن أنجزت من الكتاب ثلاثة أجزاء، ودفعت بها إلى السيد الخرسان في بيروت وفقني الله سبحانه وتعالى لزيارة الإمام الرضا عليه السلام وكان الجزء الرابع معي وهناك عثرت على عدة نسخ مخطوطة من الشافي سأشير إليها فيما يأتي فعرضت الجزء الرابع عليها، ووددت لو كانت الأجزاء الثلاثة معي لأعرضها أيضا ولكن دون ذلك أمد بعيد.
أما النسخ المخطوطة فهي:
أ- نسخة مكتبة آية الله المرعشي تقع في 238 ورقة أي 476 صفحة في كل صفحة 23 سطر وهي بخط النسخ الجميل قليلة الأغلاط، بل تكاد أن تكون خالية من الخطأ، وفي هوامشها إشارات إلى اختلاف النسخ تاريخها 21 صفر 1101 ه ولم يذكر اسم الناسخ وعلى الصفحة الأولى والثانية منها تعليق لبعض الأعلام وقد قابلنا هذه النسخ مع المطبوعة من أول الكتاب إلى آخره ورمزنا إليها بحرف (خ).
ب - نسخة في المكتبة الرضوية في حرم الإمام الرضا عليه السلام برقم 761، من كتب الحكمة والكلام. بخط فارسي تختلف الصفحة الأولى عن بقية الصفحات، والمظنون أنها كانت ساقطة من الأصل فحررت هذه الصفحة بدلها تاريخ هذه النسخة كما في آخرها يوم الخميس 23 جمادى الأولى سنة 1110 ه والناسخ محمد بن سعيد السعدي وقد رمزنا إلى هذه النسخة بحرف (آ) ج - نسخة أخرى في المكتبة الرضوية برقم 171، حكمة وكلام بخط نسخي عدد أوراقها 270 في كل صفحة 22 سطرا تاريخ الفراغ من --- ... الصفحة 17 ... ---
صفحة ١٢
نسخها يوم الثلاثاء تاسع شهر رجب المرجب سنة 1136 ه وهي بخط محمد إبراهيم بن محمد يعقوب وقد رمزنا إليها بحرف (ع).
د - نسخة ثالثة في المكتبة الرضوية أيضا برقم 10020 بخط نسخي واضح عدد أوراقها 323 سطور صفحاتها على الأكثر 21 كتبها محمد بن عبد اللطيف العاملي لصديقه الحاج محمد علي بنكا واتفق الفراغ من نسخها يوم الجمعة 6 محرم الحرام 1141 ه خالية من الإشارة إلى اختلاف النسخ إلى ما ندر ورمزنا إليها بحرف (ض).
ه - نسخة رابعة في المكتبة الرضوية أيضا برقم 760 عدد أوراقها 265 من كتب الحكمة والكلام تاريخها جمادى الأولى سنة 1098 ه خطها نسخي تختلف الصفحة الأولى عن سائر الصفحات لأنها بديلة لصفحة ساقطة ولم يذكر اسم الناسخ وقد رمزنا إليها بحرف (ر).
وأخيرا عثرت على نسخة من الشافي في مكتبة مسجد كوهر شاد في الحرم الرضوي برقم 317 عدد أوراقها 317 مع سقوط عدة أوراق من أولها تاريخ الفراغ من نسخها منتصف شهر رمضان سنة 1117 ه ولم يتسن لي تصوير نموذج منها، وكانت نظرتي إليها عجلي ولذا لم أرمز إليها.
كما قابلت ما نقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة فوجدته يقدم ويؤخر في النقل ويختصر أحيانا ورمزت إلى ما نقلته منه بحرف (ح) كما رمزت إلى المغني بحرف (غ).
ولعل في الناس من لا يروقه نشر هذا الكتاب ولا يجد لي عذرا في تحقيقه فهو على حق إن لم يجد عذرا لشيخ الأزهر وشركائه في نشر المغني وتحقيقه خصوصا وأن موقف المرتضى موقف المدافع لا المهاجم كقاضي القضاة ومع ذلك فإن المرتضى لم يفرض رأيه على أحد ولم يلزمه باعتقاد ما أورده فيه بل ترك الحكم إلى المطالع إذ قال في خاتمة الكتاب: " ونحن --- ... الصفحة 18 ... ---
صفحة ١٣
نقسم على من تصفحه وتأمله أن لا يقلدنا في شئ منه، وأن لا يعتقد بشئ مما ذكرناه إلا ما صح في نفسه بالحجة وقامت عنده الأدلة " ومع ذلك قد يوجد في ثنايا الكتاب ما لا يوافقه بعض أصحابه عليه.
هذا وقد لخص كتاب الشافي الشيخ الطوسي بكتاب سماه " تلخيص الشافي " وهو كتاب مشتهر منشور كما له تلخيص آخر اسمه " ارتشاف الصافي من سلاف الشافي " للسيد بهاء الدين محمد بن محمد باقر الحسيني السبزواري كان حيا سنة 1130 ه أوله " الحمد لله الذي رفع عليا مكانا عليا " إلخ كما أن للسيد بهاء الدين تلخيصا آخر اسمه " صفوة الصافي من رغوة الشافي " وهو أخصر من الأول.
قال الشيخ في الذريعة " كلاهما بخط المؤلف يوجد عند السيد المرعشي ".
وبعد: فإني لا أدعي أني أخرجت الكتاب إخراجا فنيا كاملا ولكني بذلت كل ما في وسعي في خدمة هذا الكتاب الجليل، ولو علم القارئ الكريم ما قاسيت في تحقيقه وما عانيت من التنقل في المكتبات العامة والخاصة بل وحتى في محال باعة الكتب لاستخراج ترجمة أو تصحيح كلمة، أو مقابلة مصدر لوسعني عذرا، وغض الطرف عن بعض الهفوات والسقطات.
وأخيرا أشكر للسيد الخرسان ثقته بي وأسأله سبحانه أن يجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم.
عبد الزهراء الحسيني الخطيب
نزيل دمشق 25 جمادى الأولى 1404 ه --- ... الصفحة 19 ... ---
صفحة ١٤
كتاب الشافي في نظر فقيد العلم والأدب الشيخ محمد جواد مغنية
عطر الله مرقده
قال رحمه الله تحت عنوان " الإمامة بين شيخ الإمامية وشيخ المعتزلة: " ألف القاضي عبد الجبار شيخ المعتزلة كتابا أسماه " المغني " بذل فيه نشاطا بالغا لتفنيد أقوال الإمامية، وأورد فيه من الشبهات ما أسعفه الفكر والخيال، وقد انطوى الكتاب على أخطاء وتمويهات تخدع البسطاء والمغفلين فتصدى لنقضه الشريف المرتضى في كتاب ضخم أسماه " الشافي " وقد جاء فريدا في بابه، وبصورة صادقة لمعارف المرتضى ومقدرته. أو لمعارف علماء الإمامية وعلومهم في زمنه - على الأصح - عالج المرتضى مسألة الإمامة من جميع جهاتها، كمبدأ ديني واجتماعي وسياسي وأثبت بدليل العقل والنقل الصحيح أنها ضرورة دينية واجتماعية، وأن عليا هو الخليفة الحق المنصوص عليه بعد الرسول، وأن من عارض وعاند فقد عارض الحق، والصالح العام.
ذكر الشريف جميع الشبهات التي قيلت أو يمكن أن تقال حول الإمامة، وأبطلها بمنطق العقل، والحجج الدامغة.
ولا أغالي إذا قلت أن كتاب الشريف هو أول كتاب شاف كاف في الدراسات الاسلامية الإمامية، بحيث لا يستغني عنه من يريد الكلام في --- ... الصفحة 20 ... ---
صفحة ١٥
هذا الموضوع، وبحثه بحثا موضوعيا، وليس من شك أن العلامة الحلي قد عنى كتاب " الشافي " حين قال مقرظا الشريف: " بكتبه استفاد الإمامية منذ زمنه رحمه الله إلى زماننا - بل وإلى آخر الزمان - وهو أي الشريف ركنهم ومعلمهم قدس الله روحه وجزاه عن أجداده خيرا ".
والشئ الذي يؤسف له هذا الداء الساري في جميع كتبنا نحن الإمامية من رداءة الطباعة وسوء الاخراج، وعدم الترتيب والتبويب بخاصة كتاب " الشافي " فإنه على ضخامته يبلغ ألف صفحة أو أكثر بقطع هذا الكتاب لا يعرف له أول من آخر لولا الابتداء بالبسملة والانتهاء بسؤال التوفيق فقد دمج قول القاضي والشريف حتى كأنهما حرفان متماثلان قد أدغم أحدهما بالآخر، أو خيوط من نسيج قد حيك منها ثوب واحد.
واليوم نشاهد نشاطا ملحوظا لإحياء التراث القديم ونشره بحلة جديدة، وليس من شك أن حركة النشر ستشمل كتاب " الشافي " الكافي، وتخرجه إخراجا جميلا، ولو عرف الناشرون والقراء قيمة هذا الكتاب وما فيه من كنوز وحقائق لاستبقوا إليه ولم يفضلوا عليه كتابا أي كتاب ". ا ه.
ثم ذكر رحمه الله قطعا من أقوال القاضي ورد المرتضى عليه، أنظر الشيعة في الميزان من ص 120 - 126 ونرجو من الله أن تحقق أمنية الشيخ رحمه الله على يد السيد الباقر من آل الخرسان سلمه الله.
المحقق --- ... الصفحة 21 ... --- --- ... الصفحة 22 ... --- --- ... الصفحة 23 ... --- --- ... الصفحة 24 ... --- --- ... الصفحة 25 ... --- --- ... الصفحة 26 ... --- --- ... الصفحة 27 ... --- --- ... الصفحة 28 ... --- --- ... الصفحة 29 ... --- --- ... الصفحة 30 ... --- --- ... الصفحة 31 ... --- --- ... الصفحة 32 ... --- --- ... الصفحة 33 ... ---
صفحة ١٦
بسم الله الرحمن الرحيم
الشافي في الإمامة ج1
الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطاهرين الأبرار النقباء (1).
سألت - أيدك الله -: تتبع ما انطوى عليه الكتاب المعروف ب (المغني) من الحجاج في الإمامة، وإملاء الكلام على شبهه بغاية الاختصار، وذكرت أن مؤلفه قد بلغ النهاية في جمع الشبه، وأورد قوي ما اعتمده شيوخه مع زيادات يسيرة سبق إليها، وتهذيب مواضيع تفرد بها، وقد كنت عزمت عند وقوع هذا الكتاب في يدي على نقض ما اختص منه بالإمامة على سبيل الاستقصاء فقطعني عن إمضاء ذلك قواطع، ومنعت منه موانع كنت متوقعا لانحسارها فأبتدئ به، وأنا الآن عامل على إملاء ما التمسته، وعادل عن بسط الكلام ونشره إلى نهاية ما يمكن من الاختصار والجمع، ومعتمد حكاية أوائل كلامه، وأطراف فصوله.
صفحة ٢٩
--- ... الصفحة 34 ... ---
وموقع الحوالة على كتابه (1) ليكون ذلك أدخل فيما نحوته (2) من الاختصار (3).
وهذا الكتاب - إذا أعان الله عليه، ووفق لبلوغ الغرض فيه - يكون جامعا لأصول الإمامة وفروعها، ومحيطا من الطرق المهذبة والنكت المحررة بما لا يوجد في شيء من الكتب المصنفة.
وإلى الله الرغبة في تيسير ذلك وتسهيله، وأن يجعل ذلك خالصا له، ومقربا منه، بمنه وجوده.
صفحة ٣٠
--- ... الصفحة 35 ... ---
### || فصل في تتبع ما ذكره مما يتعلق بوجوب الإمامة
قال صاحب الكتاب بعد أن ذكر ما ينقسم إليه الخلاف في الإمامة:
" إعلم أن جميع (1) من جعل صفة الإمام صفة النبي يصح له أن يوجب فيه جميع (1) ما يجب في النبي، كما أن من جعل صفة الإمام صفة الإله يصح له أن يوجب فيه ما يجب الله تعالى، والكلام مع هذين الفريقين لا يقع في الإمامة، إلى آخر كلامه (2)... " (3)
قال السيد الشريف المرتضى رضي الله عنه:
أما من جعل للإمام جميع صفات النبي صلى الله عليه وآله. ولم يجعل بينهما مزية في حال فالكلام معه - وإن لم يسقط جملة من حيث لم يعلم بطلان قوله ضرورة - فإنه لا يكون كلاما في الإمامة، بل في النبوة، وهل هي واجبة في كل حال أم لا؟؟ فإن من جعل للإمام بعض صفات النبي أو أكثرها، وجعل بينهما مزية معقولة فالكلام معه لا محالة كلام في --- ... الصفحة 36 ... ---
صفحة ٣١
الإمامة، وكيف لا يكون كلاما في الإمامة وهو لا يعدو أن يكون كلاما في صفاته، أو في صفة ما يتولاه (1) ويقوم به، لأن من قال من الإمامية: إن الإمام لا يكون إلا معصوما، (2) فاضلا، أعلم الناس إنما خالف خصومه في صفات الإمام، وكذلك إذا قال: إنه حجة في الدين، وحافظ للشرع، ولطف (3) في فعل الواجبات والامتناع من المقبحات، فخلافه إنما هو فيما يتولاه الإمام ويحتاج فيه إليه، فكيف ظن صاحب الكتاب أن الكلام مع من لم يوافقه في صفات الإمام وفيما يتولاه لا يكون كلاما في الإمامة؟ وهذا يؤدي إلى أن الكلام في الإمامة إنما يختص به المعتزلة (4) (4) المعتزلة: طائفة من طوائف المسلمين وهم فرق متعددة أنهاها الشهرستاني في الملل والنحل إلى اثنتي عشرة فرقة وسبب تسميتهم بالمعتزلة أن واصل بن عطاء كان من أصحاب الحسن البصري فبينما هو في حلقة درسه إذ سأل الحسن البصري رجل ما تقول في صاحب الكبيرة؟
فقال الحسن: إن جماعة من المسلمين يعتبرونه مؤمنا ويقولون: لا يضر مع الإيمان سيئة، ولا تنفع مع الكفر حسنة، وجماعة آخرون يعتبرونه كافرا، فقال واصل: أنا لا أقول إن صاحب الكبيرة مؤمنا ولا أقول كافرا وإنما هو بمنزلة بين منزلتين. ليس بكافر ولا مؤمن، واعتزل واصل بعد هذه الواقعة مجلس الحسن، واتخذ له مجلسا خاصا جعل يقرر فيه هذا الرأي وتبعه على ذلك جماعة فقال الحسن: اعتزلنا واصل فسموا بالمعتزلة، ولهم أصول خمسة لا يستحق برأيهم أن يوصف بالاعتزال من لم يقل بها التوحيد والعدل والوعد والوعيد والمنزلة بين المنزلتين.
صفحة ٣٣