ونص المقصود من الجواب : وأما على مذهب المالكية فلأن سماع الأوتار قد ذهب إلى إباحته جمع من علمائهم ، حكى الإمام ابن عرفة (¬1) في مختصره المشهور عن ابن حبيب (¬2) إباحة سماع المزهر ، وهو العود كما في القاموس ، وابن حبيب أحد الأئمة المجتهدين في مذهب مالك بل نقل حضور مجلس العيدان عن الإمام مالك رضي الله عنه ، نقل الإمام ابن عرفة في مختصره المذكور عن تاريخ الخطيب أبي بكر بن ثابت ، فذكر أن إبراهيم بن سعد المدني قدم العراق فأكرمه الرشيد ، فسئل عن الغناء ، فأفتى بإباحته ، فأتاه بعض المحدثين ليسمع منه أحاديث الزهري ، فسمعه يغني ، فقال : كنت حريصا على السماع منك ، فأما الآن فلا سمعت منك حرفا أبدا ، فقال : إذا لا فقدت إلا شخصك علي ، وعلى أن حدثت ببغداد ما أقمت حديثا حتى أغني قبله ، فبلغ ذلك الرشيد ، فدعي به ، فسأله عن حديث المخزومية التي قطعها رسول الله صلى الله عليه وسلم / في سرقة الحلي ، فدعا بعود ، فقال الرشيد : أعود المجمر4 ، فقال : لا ، ولكن عود الطرب ، فتبسم ، ففهمها إبراهيم بن سعد ، فقال له بلفظ يا أمير المؤمنين حديث الذي ألجأني إلى أن حلفت ، قال : نعم ، فدعا له الرشيد فغناه :
يا أم طلحة إن البين قد أفدا قل الثواء لئن كان الرحيل غدا (¬1)
فقال له الرشيد : من كان من فقهائكم يكره السماع ، فقال : من ربطه الله ، فقال : هل بلغك عن مالك بن أنس في ذلك شيء ، قال : لا والله ، إلا أني أخبرني مخبر أنهم اجتمعوا في مدعاة كانت في بني يربوع ، وهم يومئذ جلة ، ومالك أقلهم في فقهه وقدره ، ومعهم دفوف ومعازف وعيدان ، ويلعبون ، ومع ملك دف ، وهو يغنيهم :
... ... ... سليمى أزمعت بينا فأين تظننا أينا
... وقد قالت لأتراب لها زهر تلاقينا
صفحة ٥