السيف اليماني لمن قال بحل سماع الآلات والمغاني

البرلسي، مصطفى بن رمضان ت. 1263 هجري
19

السيف اليماني لمن قال بحل سماع الآلات والمغاني

تصانيف

الفقه

جوابه أن هذا كله نقل باطل ، واحتجاج بالتمويهات ، والتلبيسات ، وكيف يسوغ لمتدين ، فضلا عمن يدعي التصوف والمعرفة أن يحتج على تعاطي الأشياء المحرمة عند أئمة المذاهب الأربعة وغيرهم بمجرد قوله : ونقل ذلك عن فلان وفلان . ما ذاك إلا غباوة ظاهرة ، وجهل مفرط ؛ لأن اللائق لمن يريد أن يفعل شيئا يخالف فيه المشهورالمقرر في مذاهب العلماء أن يحتج عليهم بنقل صريح، أو حديث صحيح ؛ لأنه إما أن يكون مجتهدا ، أو مقلدا ، فإن كان مجتهدا بين أولا أن المسألة غير مجمع عليها ، وأثبت النقل بطريقه المعتبر عند أهل الحديث وغيرهم ممن يعتقد به أنه لا إجماع في المسألة، ثم بين حجته من كتاب أو سنة،أو غيرهما بطريقه المعتبرة عند أئمة الأصول وغيرهم ، وإن كان مقلدا بين صحة الحل عن أحد من العلماء المجتهدين ، ثم قال : أنا مقلد لهذا الإمام ، حتى يرتفع الإنكار عنه ، وأما مجرد قوله نقل ، فهذا كلام لغو ، لا يفيده شيئا إلا في غرضه الفاسد ، وهو ترويج أفعاله وأقواله الكاذبه الباطلة على من لا يفرقون بين نقل وصح ، ويعتقدون أن الكل من واد واحد ، وهيهات ليس الأمر بالهوينا ، كما يظن هذا الرجل ، وأضرابه ، بل بينه وبين إثبات الحل عن واحد ممن ذكر مفاوز تقطع دونها الأعناق ، إذ لو أقام طول عمره يفحص ويفتش ما ظفر بنقل الحل من طريق صحيح عن واحد من العلماء فضلا عن هؤلاء الكثير الذين عددهم بمجرد الدعاوي الكاذبة ، وممن سبقه إلى ذلك كابن حزم ، وابن طاهر ، وليته عرف حال هذين الرجلين ؛ ليجتنب متابعتهما ، فإن كلا منهما مبتدع ضال ، أما ابن حزم فالعلماء لا يقيمون له وزنا ، كما نقله عنهم المحققون كالتاج السبكي وغيره ؛ لأنه وأصحابه ظاهرته محضة ، تكاد عقولهم أن تكون مسخت ، ومن وصل إلى أن يقول : إن بال الرجل في الماء /17 تنجس ، أو في إناء ثم صبه في الماء لم يتنجس ، كيف يقام له وزن ، ويعد في العقلاء فضلا عن العلماء ، ولابن حزم هذا وأضرابه من أمثال هذه الخرافات الشيء الذي لا ينحصر ، ومن تأمل كذبه على العلماء ، سيما إمام أهل السنة أبو الحسن الأشعري علم أنه الأولى به وبأمثاله أن يكونوا في حيز الإهمال ، وعدم رفع رأس لشيء صدر منهم ، وأما ابن طاهر فإن العلماء بالغوا في تضليله وتسفيهه بما مر بعضه ، ويأتي بعضه ، من ذلك أنه رجس العقيدة نجسها ، وأنه رجل إباحي ، لا يتقيد بدليل، ولا يقوى على تعليل ، بل كل ما وسوس له به الشيطان اتخذه مذهبا ، وبرهن عليه بالأشياء التي يعتقد كذبها ، وإنما يموه على من علم عنده ؛ ليوهمه صحة ذلك .

ثم قال : وقول صاحب ذلك الكتاب أن الجل نقل أيضا عن أكثر فقهاء المدينة .

هذا في غاية من الكذب والتدليس ، لأنه إن قلد ابن طاهر في النقل فابن طاهر إنما عبر بإجماع أهل المدينة ، لا بأكثرهم ، وإن قلد العلماء في تكذيب ابن طاهر في النقل ، فأهل المدينة مبرؤون من نسبة ذلك إليهم ، فترك هذا الرجل هاتين المقالتين ، واختراعه النقل عن أكثر فقهاء المدينة غاية في سوء الصنيع المبني على التدليس ، وحال هذا الرجل يأبى صدور مثل ذلك عنه ، لكن الهوى يوجب أكثر من ذلك .

وقوله : ونقل عن مالك سماعه ، وليس بالمعروف عند أصحابه .

كأنه لم يطالع تفسير القرطبي في سورة الروم ، ولا المسألة لابن فضل الله في مبحث المغنين المأخوذ منه رد ذلك المحكي بأنه اشتباه ، فإن شخصا اسمه مالك في زمن الإمام كان مغنيا ، وبفرض صحة ذلك ، وهو بعيد جدا فالعبرة بآخر أحوال الأئمة وأقوالهم ، والحاصل أنه لا حجة له في هذا النقل عن مالك مطلقا ، فكان اللائق صون إمامه عن هذا الذي أشار إليه ونقله عن ابن العربي في شرح الترمذي ما يوهم الحل ، وليس كذلك كما هو ظاهر بأدنى تأمل ، وما مثال هذا إلا ما في أمثال العوام : الغريق يتعلق بالقش .

وقوله : حكى إباحته الماوردي عن بعض الشافعية .

صفحة ٢٥