[12] محمد بن عائذ ، قال : قال الوليد : وحدثنا أبو مطيع معاوية بن يحيى (lxxxiii[83]) ، وغيره أن قيسارية فلسطين كانت آخر الشام ومدائنها وحصون سواحلها فتحا ، وأن طرابلس(lxxxiv[84]) دمشق كانت قبلها فتحا بسنة ، أو نحو ذلك ، وأن أهلها من الروم كانوا في منعة من حصنها ، فذكرت ذلك لشيخ من أهل طرابلس ، فحدثني أن معاوية بن أبي سفيان وجه إليه سفيان بن مجيب الثمالي(lxxxv[85]) في جماعة وعسكر عظيم ، قال أبو مطيع : فعسكر في مرج السلسلة - بينه وبين مدينة أطرابلس خمسة أميال - في أصل جبل يقال له طربل ، فكانوا هنالك ، يسير إليهم منه ، قال الشيخ : فحاصرهم سفيان ومن معه أشهرا حتى انحاز أهلها إلى حصنها الخرب اليوم - الذي عند كنيستها الخارجة منها قبل مدينة أطرابلس اليوم - فكتب إليه معاوية ؛ يأمره أن يبني له ولأصحابه حصنا يأوي إليه ليلا ، ويغازيهم نهارا ، فبنى سفيان حصنا يقال له حصن سفيان ، وهو اليوم يسمى كفر قدح ، من مدينة أطرابلس ، على ميلين ونحو ذلك ، فلما رأى ذلك أهلها ، واشتد عليهم الحصار ، كتبوا إلى طاغية الروم ، فوجه إليهم مراكب كثيرة ، فأتوهم ليلا فاحتملوهم فيها جميعا ؛ صغيرهم وكبيرهم ، وحرقوها ، وصبح سفيان وأصحابه الحصن فلم يجدوا فيه أحدا إلا يهوديا تحصن من النار في سرب فيها ، فخرج من السرب فأخبرهم خبر الروم ومسيرها في السفن ، قال الشيخ : فوجه إليها معاوية بن أبي سفيان ناسا من يهود الأردن ، فأسكنهم إياها ، فلم يزل على ذلك لا يسكنها غيرهم ، حتى دخل رجل من الروم من أرض الروم ، يقال له بقناطر لحدث كان منه بالروم ، فأقبل بأهله وماله حتى استأمن ، فأؤمن ، فنزلها فلم يزل كذلك ، حتى كان في زمان عبد الملك بن مروان ، فكان يقطع إليها بعثا من أهل دمشق صيفا فإذا شتوا قفلهم ، وشتا فرس بعلبك(lxxxvi[86]) ، فأقام فيها بقناطر زمانا حتى خرج أهل بعلبك منها ، فلم يبق فيها من المسلمين إلا صاحب خراجها ورجلان معه ، فبينا هو كذلك إذ أتاه بقناطر في جماعة من أهل بيته فقتله ، وقتل صاحبيه ، وغلق باب المدينة ، وأخرج من في الحبس ، ثم قعد في مركبين من مراكب الصناعة ، وأخذ ناسا من يهود وانطلق بهم حتى أتى بهم صاحب الروم ، فبينا هو يسير في مركبه إذ لقيه مركبان للمسلمين ، كان صاحب البحر وجههما من عكا(lxxxvii[87]) إلى قبرص(lxxxviii[88]) ، ليأتياه بالخبر ، فلما رآهما بقناطر عرف صاحبي المركبين من المسلمين ، وهما من بعلبك ، يقال لأحدهما : قابوس ، والآخر سابور ، فقالا: أين بقناطر ؟ فقال : أرسلني أمير المؤمنين إلى الطاغية ، أعليكما له طاعة ؟ قالا له : نعم ، قال : فإنه قد أمرني أن أتوجه بكم معي في أمره ، وأراهما كتابا كتبه عليه طائع ، فخرجا من مركبيهما حتى قعدا معه في مركبه ، وأمر أهل مركبهما بالمضي ، فمضوا ، فأوثقهما ، حتى أتى بهما ملك الروم ، فقبل منه ملك الروم وعفا عنه ، وصير الرجلين عند بطريق من بطارقة الروم ، حتى جلس ملك الروم يوما ينظر إلى شماس من أهل بعلبك هرب إليهم ، يقلب بسيفه يعجبه ، وقد كان قابوس سايفه ببعلبك ، فقال قابوس : إن رأى الملك أن يأذن لي في مسايفته فعل ، فأذن له ، فلما تقدم إليه قال له قابوس : اربط في رأسك يا شماس صوفا من ألوان ، ففعل ، فجعل قابوس يسايفه ، يتطاير ألوان الصوف من رأسه ، والشماس لا يبصر ، حتى قال : خذها مني وأنا قابوس ، قال الشماس : البعلبكي ؟! قال : نعم ، قال : إنما فررت منك بالشام ثم لحقتني ها هنا ، ثم سألهما الملك أن يتنصرا ، ويدخلا في دينه ، ففعلا ، وبلا منهما حرصا ووفاء ، فبينما هما على ذلك ، إذ بلغه خروج سفن العرب إلى جماعة الروم ، فوجه إليهما بعثا ، وأمر ملك الروم قابوس وسابور بالمسير مع من وجه ، وقال لهما : ما رأيكما ؟ قالا : نحن أعلم الناس بقتال العرب ، فليوجه الملك معنا أهل الشرف والجلد منهم ، فإن السفلة لا تقاتل حمية ولا عن حسب ، فوجه من بطارقته جماعة منهم ؛ فيهم بقناطر الرومي الهارب كان منهم ، ثم سار إليهم ، فراطن قابوس سابور بالفارسية ؛ أن الفرصة قد أمكنتنا ، وصارا هما وأشراف من الروم وبقناطر في مركب واحد ، فلما لقوا المسلمين في البحر وتوسطا سفنهما كبرا ، وشدا على من معهما منهم ، واجتمع إليهم المسلمون ، فأسروهم أسرا - وفيهم بقناطر - فأتي به عبد الملك ، فأمر بقتله ، وقطع على فرس بعلبك الخمس سكانا لمدينة أطرابلس ، ففعلوا وسكنوها وإلى غيرها من مدائن الساحل ، قال : ففتحت أطرابلس يومئذ عنوة ، فليس لأحد ممن فيهما من الأعاجم فيها حق ولا عهد (lxxxix[89]).
[13] ابن عائذ ، نا الوليد بن مسلم ، عن زيد بن دعكنة البهراني(xc[90]) ، أن معاوية شتى بسر بن أبي أرطأة(xci[91]) بأرض الروم ؛ بالحمة ، سنة أربع وأربعين (xcii[92]).
[14] قال : وأخبرني الوليد ، عن يزيد (xciii[93]) بن دعلبة أن معاوية بن أبي سفيان شتى في سنة خمس وأربعين عبد الرحمن بن خالد بن الوليد (xciv[94]).
[15] قال : وقال الوليد بن مسلم : سمعت سعيد بن عبد العزيز ، أو غيره ، يخبر أن معاوية شتى عبد الرحمن بن خالد سنتين في جيش مقيم بأرض الروم ، يدخل عليه القواد سنة سنة يصيف ويشتو عنده لم يغفل عنه حتى مات عبد الرحمن بأرض الروم (xcv[95]).
صفحة ٢٠