[78] محمد بن عائذ ، نا الوليد بن مسلم ، قال : وفي سنة سبع وتسعين غزا مسلمة في البر وغزا ابن هبيرة في البحر. قال الوليد : حدثني الليث السامي، قال : غزونا القسطنطينية مع مسلمة سنة سبع وتسعين ، وعلى جماعة الناس مسلمة بن عبدالملك ، وعلى أهل البحر عمر بن هبيرة الفزاري(ccxxxiv[234]) ، فكنت فيمن غزا مع عمر ، فلما هبطنا على المسلمين صفوا لقتال أهل القسطنطينية صفين ،لم أر صفين قط أطول منهما (ccxxxv[235]) [79] ابن عائذ ، حدثنا الوليد ، قال : قال الليث : كنت ممن غزا على اسمه وعطائه بفيء عمر بن هبيرة ، إذ ولاه سليمان غازية البحر ، رافقت أخي أبا خراسان في مركب ، فسار بنا عمر حتى مررنا بأهل مصر ، فتبعونا ومضينا حتى أتينا أطرابلس أفريقية ، وعلونا أرض الروم حتى إذا حاذتنا القسطنطينية سرنا في بحر الشام حتى دفعنا إلى خليج القسطنطينية ، فخرجنا في الخليج على باب القسطنطينية ، لنجيز إلى مسلمة ومن معه من المسلمين ، وصف مسلمة من معه من المسلمين صفا لم أر قط أطول منه ، مع الكراديس(ccxxxvi[236]) الكثيرة ، وجلس ليون طاغية الروم على برج باب القسطنطينية وبروجها ، ويصف منهم رجاله فيما بين الحائط والبحر صفا طويلا بحذاء صف المسلمين ، وأظهرنا السلاح في ألف مركب ؛ بين محرقات وقوادس ، فيها الخزائن من كسوة مصر وما فيها مما إليه ، والمعينات (ccxxxvii[237]) فيها المقاتلة ، قال الليث : فما رأيت يوما قط كان أعجب منه ، لما ظهر من عدونا في البر والبحر ، وما أظهرنا من السلاح ، وما أظهر طاغية الروم على حائط القسطنطينية ، وصفهم ذلك والعدة ، ونصبوا المجانيق والعرادات ، فتكبر المسلمون في البر والبحر ، ويظهر الروم قبلها قريا السين [كذا] لكع ابن هبيرة وجماعة من معه من السفن عن الإقدام على باب المينا ، لما هابته على أنفسها ، فلما رأت ذلك الروم ، خرج إلينا من باب مينائهم معينات ، أو قال محرقات ، فمضى مركب منها إلى أدنى من يليه من مراكب المسلمين ، فألقى عليه الكلاليب بالسلاسل فاجتره حتى أدخله بأهله القسطنطينية ، فأسقط ذلك في أيدينا ، وخرجوا إلى مركب ليفعلوا ذلك به ، فجعل ابن هبيرة يتجسر ، ويقول : ألا رجل ! فقام إليه أبو خراسان فقال : هذا أنا رجل ، ولكنك صيرتني في المركب معك لبعض من لا غنى عنده ، فقال له ابن هبيرة : فمر بما ترى ومر بما تحب ، فأشار إلى مركب من الفرس يعرفهم بالشدة والبأس ، فقال : ابعثني في قارب أنا وأخي ، ومرهم بطاعتي ، ففعل ، فأمر أبو خراسان لنوتي المركب أن يوجهه إلى ذلك المركب الذي ذهب بالمسلمين ، فكع عنه النوتي ، فأشار إليه أبو خراسان بالسيف ، فمضى به حتى ألصق المركب بمركبهم ، ثم سار أبو خراسان حتى أوثقهما بسلسلة ، لئلا يفر أحدهما عن صاحبه ، قال : فاجتلدنا بأسيافنا فيما بين السفينتين ، فرزقنا الله الظفر ، فدخلنا سفينتهم ، ووضعنا السيف فيهم ، فانتهينا إلى قومس السفينة الذي فعل ما فعل ، وقد ألقى بيضته ، وجثا على ركبتيه شيخ أصلع فضربه صاحب لنا ضربه لم تغن شيئا ، وتقدم إليه أبو خراسان فضربه ضربة شق منها هامته حتى نظرت إلى السيف قد أجاز إلى الذقن ، إلى الحنجرة وما يليها، واستسلم من بقي منهم فقدناها إلى من يلينا من المسلمين ، ورجعنا إلى من كان منهم ، فدخلوا الميناء ، ووقف أبو خراسان موقفا حسنا يأمن به من فر منا إلى مسلمة ومن يليه ، حتى مروا من آخرهم لم يصب منهم إلا ذلك المركب الأول، حتى انتهينا إلى مسلمة ومن معه ، فأخذناهم إلى الخليج إلى السقع الذي على باب القسطنطينية ، والبحر أو قال الخليج محيط بها إلا مما يلي برها ، فعسكر عليه مسلمة ، وكنا في سفننا مرسيين على ساحلها مما يلي العسكر ؛ يخرج من سفننا عمر بن هبيرة وغيره إلى مسلمة ومن أردنا من أهل العسكر ، ويأتينا أهل العسكر فيدخلون علينا في سفننا (ccxxxviii[238]).
صفحة ٤٦