[المدخل]
بسم الله الرحمن الرحيم*
صفحة ٣
وجميع ما نورده في هذا الفصل من كتاب أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري. في السقيفة وفدك، وأبو بكر الجوهري هذا عالم محدث، كثير الأدب، ثقة ورع، أثنى عليه المحدثون، ورووا عنه مصنفاته ..
ابن أبي الحديد 16- 210
صفحة ٥
المقدمة
: على اثر الظروف القاسية .. والحوادث السياسية الدامية .. والخلافات العاتية الطالبة للسيطرة والغلبة .. التي اجتازت الوطن العربي، وانتابت العواصم الاسلامية. وفرضت حكومتها التوسعية على الأمم والشعوب الإسلامية، فأبادتها وشردتها وجعلتها طراق قددا، وفرقتها ودعتها متوزعة متفرقة كقصصات الورق .. ضاع التراث الفكري .. وانهارت صروح ومعالم الحضارة الثقافية، بصورة جعل التاريخ تلك الشخصية الاسلامية الزاخرة بالحيوية، واليقظة الروحية التي غزت العالم من أقصاه الى أقصاه بالنشاطات الفكرية، والمعالم الثقافية.
أن الحوادث الدامية التي انتابت الوطن الإسلامي .. تركت في التراث الفكري رواسب قاتمة وآثارا جذرية من التقهقر والانحطاط، في الحضارة الاسلامية لانها لم تدع للمسلمين في اكثر الاحايين فرصة التمتع بشيء يسير من الاستقرار والهدوء.
لقد توالت على التراث العربي، والمكتبة العربية نكبات وويلات بسبب المنازعات العقائدية، والأطماع التوسعية التي كانت تنتهي دائما الى احراق واتلاف الكثير من الكتب النفيسة وبسبب الغزاة الفاتحين الذين احتلوا البلاد الاسلامية وسلبوا ديارها وخربوا معالمها ومآثرها وكانت خزائن الكتب ودور النفائس الفكرية من جملة ما خربوا، واننا في الوقت الحاضر لا نملك إلا الحزن والاسى حينما نتصفح
صفحة ٧
التاريخ ونقرأ ما جرى على الخزائن والمكتبات من احراق واغراق واتلاف وتدمير، فقد أقام الفاتحون من الكتب جسرا على نهر دجلة، ورموا الكثير منها في مواقد المطابخ والاتلاف والحمامات.
والذي نراه اليوم بأيدينا من التراث ومن كتب الأقدمين لم يكن غير النذر اليسير من التراث الضخم الفخم الذي تركه السلف لنا، واننا لنقرأ اسماء الكثيرين من العلماء والأدباء والرواة والمحدثين ولا يوجد بين ايدينا شيء من آثارهم، كما اننا نقرأ اسماء لكثير من المؤلفات والمصنفات ولا أثر لها في دور الكتب العامة والخاصة.
هذا وبعد هذه المرحلة الأليمة ... يأتي دور الغزو الغربي للشرق فحين بدأ الاستعمار الغربي يغزو الشرق بحيله ومواعيده الخلابة الفارغة اندفعت شرذمة من أذنابه وعيونه لنهب التراث الفكري واستعمار الجانب الثقافي بعد ان تهافت الغرب على نقل العلوم التي اشتغل العرب بها أبان نهضتهم العلمية، فكان تراثنا العلمي مبعثرا في الآفاق وموزعا في الأقطار فمنه جانب في مكاتب الأستانة، وجانب في الأسكوريال، وقسم كبير في مكتبات أوروبا ومتاحفها، وقد انقضت السنون وتلتها اخواتها وما زلنا حتى الساعة هذه نمشي على انتظار ما تجود به علينا أيدي المستشرقين من هذا التراث الحي الذي فيه النتاج العلمي والنتاج الأدبي والنتاج الروحي. لقد أخذ تراثنا الفكري طريقه الى الغرب، وشق ركبه اليه منذ سنين وقرون متمادية على يد نفر زين لهم، حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب (1).
زين لهم وأغروهم بالأموال فجمعوا التراث الفكري وشروه ببخس دراهم معدودة ، وأدعوه في الصناديق وجهوه الى الغرب بشتى الطرق والوسائل، وهذا
صفحة ٨
كان ديدنهم مدى حياتهم.
هنا يكشف التاريخ القناع عن وجه واحد من هؤلاء، ويعرف بتاج الدين أبي اليمن زيد بن الحسن بن الحسن بن زيد بن الحسن بن سعيد الكندي البغدادي الدمشقي المصري المتوفى 613 قال ابن خلكان: أوحد عصره في فنون الآداب وعلو السماع، وشهرته تغني عن الأطناب في وصفه، سافر عن بغداد في شبابه، واستوطن حلب مدة، كان يبتاع الخليق ويسافر به الى بلاد الروم ويعود اليها، ثم انتقل الى دمشق وصحب الأمير عز الدين فروخ شاه بن شاهان شاه، وهو ابن اخي السلطان صلاح الدين، واختص به وتقدم عنده وسافر في صحبته الى الديار المصرية واقتنى من كتب خزائنها كل نفيس وعاد الى دمشق واستوطنها وقصده الناس واخذوا عنه (1).
والله أعلم كم كان لدة أمثال تاج الدين ... وكم حملوا الى الروم من التراث ... ويمكن القول ان العراق ... وسورية ... كانا أول البلاد التي فقدت ثروتها الفكرية ... لهذا لا تخلو مكتبة كبرى في الغرب من مجموعة كبيرة تتناول البحث عن تاريخ العرب والاسلام وما يتصل بها من آثار وحضارة وأديان ولغات وسياسة وغير ذلك، كما أولوا البحوث الاسلامية عناية خاصة، وحرصوا أشد الحرص على اكتناز ما يصدر من المطبوعات في أغلب العواصم العربية والاسلامية، أما ما ينشره المستشرقون من كتب عربية قديمة في الغرب فانهم يتسابقون الى احرازه واختزانه والانتفاع به.
ففي سنة 1943 م. أحرزت جامعة- برنستن- مجموعة كبيرة من المخطوطات العربية يقدر عددها بستة آلاف مخطوط اقتنتها من الاستاذ يهودا البغدادي صفقة واحدة بمبلغ 000/ 72 ألف دولار، ويهودا المذكور بغدادي الأصل طاف في بلدان الشرق الأدنى ولا سيما في مصر وجمع منها هذه الآلاف من
صفحة ٩
المخطوطات ونقلها الى اميركة حيث استقر بها المقام في مكتبة جامعة برنستن (1).
ومهما يكن من أمر فالتراث الفكري العربي منذ القرن السابع الهجري كان موضع نهب وحرق وتدمير وابادة وتمزيق نفر من أذناب الغرب وشياطينه.
أجل اننا نقرأ اسماء الآلاف من العلماء والرواة والأدباء ولا نجد بين أيدينا شيئا من آثارهم، كما اننا نطالع أسماء لكثير من التصانيف والموسوعات ولا أثر لها في خزائن الكتب ومنهم على سبيل المثال، أبي بكر احمد بن عبد العزيز الجوهري البصري البغدادي فقد كان كثير العلم والرواية والأديب. وصاحب مدرسة ومكتبة وحوزة في البصرة وبغداد ... يجتمع اليه الأدباء والمحدثون وينقلوا ويسجلوا ما يمليه عليهم، او يستمع الى قراءة كتبه ومؤلفاته سنين طويلة ...
ولا بد لعالم كهذا تصانيف وكتب ورسائل جمة ... غير أن لم يحفظ التاريخ لنا منه كتاب ولا رسالة ولا ورقة ... مع العلم كما سنوقفك عليه من أن مؤلفاته كانت متداولة وموجودة الى القرن السابع الهجري، وموضع عناية المحققين، والمصنفين، بحيث اتخذوها من المراجع الهامة، وحسبوها من المصادر الاسلامية او الأدبية الحية. قال عز الدين ابن ابي الحديد عنه: وأبو بكر الجوهري هذا عالم محدث، كثير الأدب، ثقة، ورع، اثنى عليه المحدثون، ورووا عنه مصنفاته (2).
إن هذه الجملة على أختصارها ان دلت على شيء فانما تدل على وجود مصنفات لأبي بكر الجوهري ... في شتى المواضيع ومختلف البحوث ... غير أن التاريخ لم يحتفظ لنا بشيء منها، حتى أن بعضا من المحققين والمتتبعين رغم البحث والتتبع في كافة مظان خزائن المخطوطات العربية أعلن ان كثيرا من الكتب التي اصبحت
صفحة ١٠
من عداد التراث العربي المفقود لا تزال عناوينها ومقتبسات منها محفوظة في سائر المؤلفات ومنها مثلا كتاب السقيفة لأحمد بن عبد العزيز الجوهري (1).
واذا ما تصفحنا بعض المعاجم والمراجع الأدبية والتاريخية، لوجدناها زاخرة بروايات واحاديث تحدث بها أبو بكر الجوهري أو أملاها على المؤلفين، ومنها مؤلفات أبي الفرج علي ابن الحسين الأصفهاني، وأبي عبيدة محمد بن عمران المرزباني، وأبي احمد الحسن بن عبد الله العسكري الخراساني، وأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، عز الدين عبد الحميد بن أبي الحديد المعتزلي وغيرهم.
ولما كانت احاديث وروايات الجوهري مبثوثة في طيات الكتب والمعاجم وتعتبر بحق نصوصا تاريخية وأدبية أخذت على نفسي جمعها ولمها من الكتب وجعلها في كتب خاصة مستقلة باسمه مع ذكر المراجع التي نقلت واخذت منها فكانت مؤلفاته كما يلي:
مؤلفات الجوهري
: تقع تصانيف الجوهري وتنقسم على جوانب شتى، وبحوث مختلفة من التاريخ والأدب والحديث والتفسير وكانت على النحو التالي:
أ- اخبار الشعراء
: جمعت فيه ما رواه أبو الفرج الأصفهاني عن أبي بكر الجوهري من أحاديث وأخبار الشعراء في كتابيه- الأغاني- و- مقاتل الطالبيين-
ب- السقيفة وفدك
: ويحتوي على جميع النصوص التي ذكرها ابن أبي الحديد في كتابه- شرح نهج البلاغة- عن كتاب السقيفة لأبي بكر الجوهري حسب ما كانت في خزانة كتبه منه
صفحة ١١
نسخة، وكذا نسخة اخرى منه في مكتبة بهاء الدين ابي الحسن علي الاربلي البغدادي صاحب كتاب- كشف الغمة-
ج- مآخذ العلماء على الشعراء
: ويضم ما ذكره ابو عبيد الله محمد المرزباني في كتابه- الموشح- عن أبي بكر الجوهري وهي مآخذ كتبها الجوهري الى المرزباني وهي مآخذ العلماء على الشعراء في عدة انواع من صناعة الشعر ... واسأل الله جل شأنه ... التوفيق والصحة والعون والعمر ... في اخراج الجميع وطبعه ونشره انه ولي التوفيق.
هذا وحدثني فقيه المحققين، ومحقق الفقهاء، آية الله العظمى، والمرجع الديني الكريم السيد شهاب الدين النجفي المرعشي ... في قم انه شاهد في مكتبة المرحوم العلامة الشيخ محمد السماوي كتابا لأبي بكر الجوهري في علوم القرآن، وفي الأغاني أحاديث جاءت عن الجوهري تثبت هذا الرأي.
مشايخه في الرواية
: يروي أبو بكر الجوهري في كتابه عن رجال أجمعت ائمة الجرح والتعديل على توثيقهم وصدقهم، كما ترجمت لهم أصحاب المعاجم واثنو عليهم، وترجموا لهم وذكروهم بالتقدير والاكبار، وهم من كبار الشيوخ وفطاحل السنة، لأن المؤلف كان يستقصي في وضع تأليفه الأحاديث من منابعها السليمة، ويتوخى الأخبار عن مصادرها الموثوقة الشافية حسب اعتقاده وعلمه، وان أتى فيه ما يخالف الحقيقة والواقع في بعض الأحايين، فذكر احاديث وأخبار مباينة للحق الصراح ولذلك أشرنا اليها في الهوامش، وترجمنا رجال السند، وأقوال ائمة الجرح والتعديل فيهم، لتمتاز الأحاديث الصحيحة من السقيمة، والمعتمدة من المختلفة، ولينتقى التاريخ عن المختلقات والموضوعات، ويصفى من الشبه والضلالات.
صفحة ١٢
إن التاريخ ينبغي أن يتطهر من زلات الميول والعواطف، ويتجرد عن الأهواء والاتجاهات الطائفية والسياسية، ويتنزه عن الهوى والأهواء والحب والتقليد الذي تبيد في صعيده الحقائق، وتتلاشى في ظلاله الواقع، كل ذلك لئلا يذهب الحق جفاء، وما يفسد الناس ويضلهم فيمكث.
لقد روى المؤلف ... في كتابه هذا عن نفر عرفوا بالصدق والعدل والثقة، وكثيرا ما نجده في نقله الحديث يبتدأه بقوله: أخبرنا، حدثني، حدثنا، انبأنا، وما أكثرهم مشايخه في الرواية بيد أنه كثير النقل والرواية عن:
أ- عمر بن شبة
: أبو زيد عمر بن شبة بن عبيدة بن زيد بن رائطة بن أبي معاذ النميري البصري النحوي الأخباري البغدادي المتوفى 262 (1).
روى عن أبيه وعمر بن علي المقدمي، ومسعود بن واصل، وعبيد بن الطفيل، وعبد الوهاب الثقفي، وحسين الجعفي، وأبي داود الطيالسي، وابي اسامة، وبشر بن عمر الزهراني، وابن مهدي والقطان، وأبي أحمد الزبيري، وأبي عامر العقدي، وسعيد ابن عامر الضبعي، وأبي بدر شجاع بن الوليد، وأبي عاصم، والأصمعي، وعبد الوهاب الخفاف، وعفان، وعلي بن عاصم، وقريش بن انس، وغندر، وابن أبي عدي، ومعاذ بن معاذ، ومعاوية بن هشام القصار، والوليد بن هشام القحذمي، وأبي زيد الأنصاري، ومسلم بن ابراهيم فمن بعدهم.
وروى عنه، ابن ماجة، وابو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني، واحمد بن يحيى ثعلب النحوي، واحمد بن يحيى البلاذري، وابن أبي الدنيا، وابو نعيم
صفحة ١٣
بن عدي، وابن صاعد، وابن أبي حاتم، واسماعيل بن العباس الوراق، وأبو الحسن علي بن عيسى الوزير، وابو بكر محمد بن جعفر الخرائطي، وأحمد بن اسحاق بن بهلول، واحمد بن عبد العزيز الجوهري، وابو بكر بن أبي داود، وابو العباس السراج، ومحمد بن زكريا الدقاق، والحسين بن اسماعيل المحاملي، ومحمد بن أحمد الأثرم، ومحمد بن مخلد الدوري.
قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه مع أبي وهو صدوق صاحب عربية وادب، وقال الدارقطني ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: مستقيم الحديث وكان صاحب أدب وشعر وأخبار ومعرفة بأيام الناس. وقال الخطيب: كان ثقة عالما بالسير وأيام الناس وله تصانيف كثيرة وكان قد نزل في آخر عمره سر من رأى، وقال المرزباني في معجم الشعراء: اديب فقيه واسع الرواية صدوق ثقة. وقال مسلمة: ثقة انبأنا عنه المهرواني، وقال محمد بن سهل: راويته، كان اكثر الناس حديثا وخبرا، وكان صدوقا ذكيا نزل بغداد عند خراب البصرة (1).
ب- محمد بن زكريا الغلابي
: ابو جعفر محمد بن زكريا بن دينار الغلابي البصري الجوهري الاخباري، وقيل ابو عبد الله مات سنة 298 (2).
كان هذا الرجل وجها من وجوه اصحابنا بالبصرة، وكان اخباريا واسع العلم وصنف كتبا كثيرة، له كتب منها: الجمل الكبير، والجمل المختصر، وكتاب صفين الكبير وكتاب صفين المختصر، مقتل الحسين (ع). كتاب النهر، كتاب الأجواد، كتاب الواقدين، مقتل أمير المؤمنين (ع)، أخبار زيد، أخبار فاطمة (ع)، كتاب الخيل، قال ابن النديم: كان ثقة صادقا. روى عن عبد
صفحة ١٤
الله بن رجاء الغداني وطبقته، قال ابن حبان: يعتبر يحديثه، وقال السيد الصدر: ابو عبد الله محمد بن زكريا الغلابي البصري، إمام أهل السير والآثار والتاريخ والأشعار.
وما جاء في الشذرات من تقييد وفاته 290 بعيد عن الصحة والصواب ما ذكرناه.
ج- يعقوب بن شيبة
: أبو يوسف يعقوب بن شيبة بن الصلت بن عصفور السدوسي البصري المتوفى 262 (1).
الحافظ أحد الأعلام وصاحب المسند المعلل، سمع علي بن عاصم، ويزيد بن هارون، وروح بن عبادة، وعفان بن مسلم، ويعلي بن عبيد، ومعلى بن منصور، ومحمد بن عبد الله الأنصاري، وأبا النضر هاشم بن القاسم، واسور بن عامر، وأبا نعيم، وقبيصة ابن عتبة، ويحيى بن أبي بكر، وحسينا المروزي، ومسلم بن ابراهيم، وأبا الوليد الطيالسي، ومحمد بن كثير، وأبا مسلمة التبوذكي، وأبا أحمد الزبيري، واحوص بن جواب، وخلقا كثيرا من أمثالهم.
روى عنه ابن ابنه محمد بن احمد بن يعقوب، ويوسف بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول، وكان ثقة، سكن بغداد وحدث بها وصنف، كان في منزله أربعون لحافا أعدها لمن كان يبيت عنده من الوراقين لتبيض المسند وثقله، ولزمه على ما خرج من المسند عشرة آلاف دينار، وكان من فقهاء البغداديين على قول مالك، من كبار اصحاب أحمد بن المعدل، والحارث بن مسكين، وأخذ عن عدة من أصحاب مالك، وكان من ذوي السرو، كثير الرواية والتصنيف.
صفحة ١٥
د- احمد بن منصور الرمادي
: أبو بكر احمد بن منصور بن سيار بن معارك الرمادي المتوفى 265 (1).
حافظ ثقة سمع عبد الرزاق بن همام، وابا النضر هاشم بن قاسم، وزيد بن الحباب، ويزيد بن أبي حكيم، وأبا داود الطيالسي، ويزيد بن هارون، ويحيى بن اسحاق السيلحيني، وأسود بن عامر، ومعاذ بن فضالة، وعلي بن الجعد، وأبا سلمة التبوذكي، وأبا حذيفة النهدي، وعمرو بن القاسم بن حكام، والقعني، ونعيم بن حماد المروزي، وسعيد بن أبي مريم، ويحيى بن بكير، وحرملة بن يحيى، وعبد المجيد بن عبد العزيز ابن أبي رواء، وعبد الملك بن ابراهيم الجدي، وأبا عاصم النبيل، وعفان بن مسلم، وعبيد الله بن موسى، ويحيى بن الحماني، واحمد بن حنبل، وهناء بن السري، وهارون ابن معروف، وعثمان بن عمر بن فارس، وهشام بن عمار، ورحيما وغيرهم من أهل العراق، والحجاز، واليمن، والشام، ومصر ، وكان قد رحل واكثر السماع والكتابة وصنف المسند.
كان أثبت من أبي بكر بن أبي شيبة، قال الدارقطني: احمد بن منصور الرمادي ثقة، توفي سنة 265 وقد استكمل ثلاثا وثمانين سنة وصلى عليه ابراهيم بن أرمة الأصبهاني (2).
ه- مغيرة بن محمد المهلبي
: أبو حاتم مغيرة بن محمد بن المهلب بن المغيرة بن حرب بن محمد بن المهلب بن أبي صفرة المهلبي الأزدي المتوفى 378 (3).
صفحة ١٦
كان أديبا اخباريا ثقة، حدث عن محمد بن عبد الله الأنصاري، ومسلم بن ابراهيم الأودي، وعبد الله بن رجاء الغداني، وعبد الغفار بن محمد الكلابي، وعمر بن عبد الوهاب الرماحي، والنضر بن حماد المهلبي، وهارون بن موسى الفروي، والنضر بن محمد الأودي، وسليمان الشاذكوني، وإسحاق بن ابراهيم الموصلي، روي عنه هارون بن محمد ابن عبد الملك الزيات، ومحمد بن خلف بن المرزبان، ويوسف بن يعقوب بن اسحاق بن البهلول، ومحمد بن يحيى الصولي، وغيرهم وهو من أهل البصرة ورد بغداد وحدث بها وقال: دخلت على المتوكل فمثلت بين يديه قائما، قال فقال: انتسب، فقلت انا المغيرة ابن محمد فقال:
قتل المغيرة بعد طول تعرض
للقتل بين أسنة وصفائح
قال: فغمزني سيف حاجبه فقال لي أجبه، قال فقلت: والله يا أمير المؤمنين لقد بر قسم أخي يزيد- وكان يزيد حاضرا- حين يقول:
فاحلف حلفة لا أتقيها
بخبث في اليمين ولا ارتياب
لوجهك أحسن الخلفاء وجها
وأسمحهم يدين ولا أحابي
قال: فجعل يردد الشعر حتى حفظه واجازني بسبعة آلاف درهم (1).
و- ابو بكر الوزان
: أبو بكر احمد بن اسحاق بن صالح بن عطاء الوزان البغدادي المتوفى 281 (2).
حدث ببغداد وسر من رأى، عن مسلم بن ابراهيم الفراهيدي، والربيع بن
صفحة ١٧
يحيى الاشناني، وقرة بن حبيب القنوي، وهريم بن عثمان، وخالد بن خداش، وعلي بن المديني، وسعد بن محمد الحرمي، وحبذل بن والق وغيرهم، قال الدارقطني: صدوق لا بأس به. مات بسر من رأى يوم السبت في أول يوم من المحرم سنة 281.
وله غير هؤلاء من المشايخ الثقات الذين يروي المؤلف عنهم، وقد ترجمنا لهم حسب ما جاء في مطاوي الكتاب في الهوامش.
تلاميذه في الرواية
: كما أخذ أبو بكر الجوهري عن مشايخ الحديث والرواية ومن الذين أجمعت ائمة الجرح والتعديل على توثيقهم وضبطهم كذلك يحدثنا التاريخ أن نقرأ من المحدثين وشيوخ الأدب والشعر والتاريخ قد أخذوا عنه ووضعوا على أحاديثه ورواياته مؤلفاتهم وكتبهم، وهذا ان دل على شيء فانما يدل على تضلع الجوهري وصدقه ووفور علمه وعبقريته، وانه كان موضع اعتماد ووثاقة المؤرخين، بحيث كانوا يشدون اليه الرحال ويقصدونه من كل صوب وحدب ويأخذون عنه ويسجلون ما يلقيه عليهم من أخبار وحكايات شتى، واحاديث مختلفة وقضايا متنوعة في التاريخ والحديث والأدب، ولم يأت في كل هذه الجوانب بما ينكر عليه.
لقد تخرج من مدرسة ابي بكر الجوهري ... رجال حفظوا التراث الاسلامي بثقافتهم، وخلفوا ورائهم ثروة فكرية ضخمة، ومناعة علمية حية، بحيث أصبحوا من كبار المؤلفين الذين عرفتهم اللغة العربية خلال القرون المتطاولة، لأن كل واحد منهم كان ذا شخصية ثقافية متعددة الجوانب، كثيرة المعارف، ويكفينا للتعريف بشخصيته العلمية مؤلفاته التي اصبحت ضالة كل اديب وعالم ومؤرخ وباحث، وأقوله بصراحة: أن المؤلفين منذ القرن الرابع الهجري الى الآن عيال في التاريخ والأدب على كل واحد من تلاميذ مدرسة الجوهري.
وهنا يجدر الاشارة الى بعض من تلاميذه في الرواية لنقف على مدى حيوية
صفحة ١٨
الشيخ الجوهري الثقافية ومناعته الفكرية التي أخرجت أمثال هذا الرعيل من العلماء، فراحوا يثبتون روايتهم عن احمد بن عبد العزيز الجوهري في مؤلفاتهم.
1- أبو الفرج الأصبهاني
: أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم بن عبد الرحمان بن مروان بن عبد الله بن مروان المعروف بالحمار آخر خلفاء الدولة الأموية في الشام، ابن محمد بن مروان بن الحكم بن ابي العباس بن امية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي الاصبهاني، البغدادي المتوفى 356 (1).
فاضل علمه محيط ما وجد له قاف، قد جمع الأدب له من طريق هو نزهة الخليع ونفس ذات عفاف، فكتبه سلوة المهموم، وعلى أغانيه خوافق القلوب تحوم، وله شعر يستعير منه النسيم اللطف، ويعلم من عكف عليه انه جامع الظرف، وأخذ عن كثير من العلماء يطول عددهم. وكان بحرا في اخبار الناس وأيام العرب وأنسابهم، وأحوال الشعراء الجاهليين والمخضرمين والمولدين.
وحكى عن الصاحب بن عباد، انه كان في أسفاره وتنقلاته يستصحب حمل ثلاثين جملا من كتب الأدب ليطالعها، فلما وصل اليه كتاب- الاغاني- لم يكن بعد ذلك يستصحب سواه استغناء به عنها (2).
له تآليف مستملحة منها: الاغاني، القيان، الاماء الشواعر، الديارات، دعوة التجار، أخبار مجظة البرمكي، مقاتل الطالبيين، الحافات، آداب الغرباء.
أخذ ابو الفرج عن ابي بكر الجوهري ونقل وروى عنه الكثير وتخرج عليه
صفحة ١٩
وهذا ما نجده واضحا في كتابيه الأغاني ومقاتل الطالبيين فكثيرا ما يقول: حدثنا احمد بن عبد العزيز الجوهري، او اخبرنا الجوهري، وهذه العبارات جاءت من المجلد الأول ص 17 من الاغاني، وتكررت في جميع مجلداته الى المجلد الأخير وآخرها ص 181 من المجلد العشرين.
أما في مقاتل الطالبيين (1) فقد روي عن الجوهري ونقل عنه في اكثر صفحات كتابه ونجده ص 171، 188، 189، 190، 191، 235، 236، 237، 238، 239، 240، 241، 242، 244، 245، 246، 247، 248، 268، 269.
وهذا ان دل على شيء فانما يدل على ان ابا الفرج كان ملازما لمجلس الجوهري يسجل ما يمليه في شتى الجوانب التاريخية والأدبية، ولعله استفاد من أبي بكر اكثر مما استفاده من غيره، والغريب جدا أن مصنف فهارس كتاب الاغاني (2) لم يذكر اسم احمد بن عبد العزيز الجوهري، في فهرست اسماء الرجال والنساء والقبائل، مع كثرة ما ورد في مجلدات الاغاني.
2- أبو عبيد الله المرزباني
: ابو عبيد الله محمد بن عمران بن موسى بن سعيد بن عبيد الله المرزباني الكاتب الخراساني الأصل البغدادي المولد والمتوفى 385 (3).
كان صاحب اخبار ورواية للآداب ثقة في الحديث صادق اللهجة واسع المعرفة كثير السماع، صنف كتبا كثيرة مستحسنة في فنون وكان أشياخه يحضرون عنده في داره فيسمعهم ويسمع منهم وكان عنده خمسون ما بين لحاف ودواج معدة لأهل العلم الذين يبيتون عنده، وكان عضد الدولة البويهي يجتاز على داره فيقف
صفحة ٢٠
ببابه حتى يخرج اليه فيسلم عليه وكان ابو علي الفارسي (1) يقول: هو من محسني الدنيا.
ان كافة أصحاب المعاجم والسير ترجمت للمرزباني ونصت على صدقه وتوثيقه وصحة ما يكتبه ويرويه، وله تصانيف كثيرة في أخبار الشعراء وشعرهم ومنها: أخبار الشعراء المشهورين والمكثرين من المحدثين وأنسبائهم وأزمانهم أولهم بشار بن برد وآخرهم ابن المعتز. اخبار أبي تمام. أخبار ابي مسلم الخراساني.
أخبار البرامكة من ابتداء أمرهم الى أنتهائه. أخبار عبد الصمد بن المعزل الشاعر.
أشعار النساء. أشعار الجن. الأنوار والاثمار فيما قيل في الورد والنرجس وجميع الأنوار من الشعر. الرياض في اخبار المتيمين من الشعراء الجاهليين والمخضرمين والاسلاميين والمحدثين.
كتاب الأزمنة كتاب الأوائل في أخبار الفرس القدماء. الموشح فيما انكره العلماء على بعض الشعراء من كسر ولحن وعيوب الشعر. اخبار السيد الحميري (2). المفيد في اخبار الشعراء وأحوالهم في الجاهلية والاسلام. ودياناتهم ونحلهم. اخبار النحاة. معجم الشعرا. اخبار الغناء والأصوات. اخبار المتكلمين. أخبار ابي حنيفة وأصحابه. شعر يزيد بن معاوية. كتاب التهاني.
كتاب المراثي. كتاب التعازي. المديح في الولائم والدعوات والتراب. أخبار الاولاد والزوجات والأهل. اخبار الزهاد. شعراء الشيعة (3). ملوك كندة.
أخبار الاجواء.
الى غير هذا من الكتب والرسائل، وقد استفاد في وضعه التآليف هذه من
صفحة ٢١
حوزة شيخه واستاذه أبي بكر احمد بن عبد العزيز الجوهري كما صرح بذلك في كتابه الموشح مآخذ العلماء على الشعراء في عدة انواع من صناعة الشعر (1) في عدة صفحات منها ص 28، 47، 57، 64، 80، 82، 89، 101، 107، 108، 163، 171، 177، 188، 192، 208، 214، 216، 217، 224، 226، 252، 256، 261، 263، 280، 294، 295، 298، 319، 326، 329، 338، 340، 344، 354، 375.
ففي هذه الصحائف نجد المرزباني يصرح باسم الجوهري ونقله وروايته عنه، ويقول في بعض الأحايين: كتب إلي احمد بن عبد العزيز الجوهري، فبالإضافة الى الرواية يبدو ان كانت بينهما مراسلات أدبية، يسأله المرزباني عن قضايا تتعلق بالشعر والشعراء وأخبارهم، وهذا دليل على علو كعب الجوهري في الادب والنقد، واطلاعه الواسع على كتب الأدب، واللغة والنحو والنقد.
3- أبو أحمد العسكري
: أبو احمد الحسن بن عبد الله بن سعيد بن الحسن بن اسماعيل بن زيد بن حكيم العسكري الخراساني المتوفى 382 (2).
كان احد الائمة في الادب والحفظ. وكان راوية للاخبار والنوادر متوسعا في ذلك، وفي التصريف في أنواع العلوم والتبحر في فنون الفهوم سمع ببغداد والبصرة واصبهان وغيرها من أبي القاسم البغوي وأبي بكر بن دريد ونفطويه وغيرهم واكثر وبالغ في الكتابة واشتهر في الافاق بالدراية والاتقان، وانتهت اليه رياسة التحديث والاملاء للاداب والتدريس بقطر خوزستان، ورحل اليه الاجلاء، روى عنه ابو
صفحة ٢٢
نعيم الاصبهاني، وأبي سعد الماليني وغيرهما.
وكان الصاحب بن عباد الوزير الأديب المشهور يود الاجتماع به ولا يجد اليه سبيلا فقال لأميره مؤيد الدولة بن بويه ان معسكر مكرم قد اختلت أحوالها واحتاج الى كشفها بنفسي فاذن له في ذلك. فلما أتاها توقع أن يزوره ابو احمد العسكري فلم يزره فكتب الصاحب اليه:
ولما أبيتم أن تزوروا وقلتم
ضعفنا فلم نقدر على الوخدان
أتيناكم من بعد أرض نزوركم
وكم منزل بكر لنا وعوان
نسائلكم هل من قرى لنزيلكم
بملء جفون لا بملء جفان
وكتب مع هذه الأبيات شيئا من النثر، فجاد به أبو احمد عن النثر بنثر مثله وعن هذه الأبيات بالبيت المشهور:
أهم بأمر الحزم لو استطيعه
وقد حيل بين العير والنزوان
فلما وقف الصاحب على الجواب عجب من اتفاق هذا البيت له، وقال:
والله لو علمت انه يقع له هذا البيت لما كتبت اليه على هذا الروى.
وهذا البيت لصخر بن عمرو بن الشريد أخي الخنساء وهو من جملة أبيات، فقد كان صخر هذا حضر محاربة بني اسد فطعنه ربيعة بن ثور الاسدي فأدخل بعض الدرع في جنبه وبقي مدة حول في أشد ما يكون من المرض، وامه وزوجته سليمى تمرضانه فضجرت زوجته منه فمرت بها امه فسألتها عن حاله فقالت: ما هو حي فيرجي، ولا ميت فينسي، فسمعها صخر فأنشد:
أرى أم صخر لا تمل عيادتي
وملت سليمى مضجعي ومكاني
وما كنت أخشى ان اكون جنازة
عليك ومن يغتر بالحدثان
لعمري لقد نبهت من كان نائما
وأسمعت من كانت له اذنان
وأي امرىء ساوى بأم حليلة
فلا عاش الا في شقي وهوان
صفحة ٢٣
أهم بأمر الحزم لو اسطيعه
وقد حيل بين العير والنزوان
فللموت خبر من حياة كأنها
معرس يعسوب برأس سنان
له تصانيف منها: البديعية. التصحيف. الحكم والامثال. ديوان شعر.
الزواجر. المنطق. راحة الأرواح. المختلف والمؤتلف. وغير ذلك. ولد ابو احمد العسكري شوال 293 ومات من ذي الحجة 382. واخذ وتتلمذ على ابي بكر الجوهري وسمع منه وكتب عنه الكثير واعترف به في تصانيفه وأقر على وثاقته وضبطه، فقال في كتابه شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف ص 457 ما نصه:
وقرأت على ابي بكر احمد بن عبد العزيز الجوهري، وكان ضابطا صحيح العلم.
4- ابو القاسم الطبراني
: ابو القاسم سليمان بن احمد بن أيوب بن مطير الطبراني اللخمي المتوفى 360 (1). من كبار الحفاظ رحل في طلب الحديث من الشام الى العراق والحجاز واليمن ومصر وغيرها من الأمصار الاسلامية وسمع الكثير وعدد شيوخه الف شيخ ويقال له مسند الدنيا يروي عنه ابو نعيم الأصبهاني، وله مصنفات اشهرها المعاجم الثلاثة الكبير والأوسط والصغير، الدعاء في مجلد كبير، دلائل النبوة، الأوائل، تفسير القرآن كبير.
أخذ من طائفة كبيرة من العلماء وقرأ عليهم ومنهم الجوهري فقد روى عنه وأخذ منه كما صرح بذلك في المعجم الصغير 1: 59.
ولد بطبرية الشام سنة 260 وسكن اصبهان الى ان توفي بها سنة 360 ودفن
صفحة ٢٤