الساق على الساق في ما هو الفارياق

أحمد فارس أفندي، صاحب الجوائب ت. 1304 هجري
140

الساق على الساق في ما هو الفارياق

والوزراء خائفون منه أن ينتقم عليهم فتدور بهم أفلاكه. والتاجر يبكر إلى محترفه وهو مشفق من كساد بضاعته. والطبيب يخشى أن ترشد الناس فيستغنوا عن براعته، فتعفن عقاقيره، وتأجن مياه زجاجاته ويفسد ذروره، وسفوفه ولعوقه وجوره. والقاضي يستعيذ من قدوم من تفتنه من الغيد بجمالها. وتربكه في مسائل غير مذكورة في كتابه فيعلق بحبالها. ويتحير من أحوالها. والربّان يحذر من عصف الأرياح. والزاجل من شب نار الحرب التي وقودها الأرواح. فكلما رأى سلطانه متغيرًا، وخاطره مكدرًا، قال اللهم اكفني غير الدهر. واجعل هذا الكدر عارضا يزول قبل العصر. فإني أرى في وجه ملكي وأميري سيمياء القتال، والرسم بمنازلة الأبطال. وأنا ذو صاحبة وعيال، وأملاك وأموال. اللهم اكفف السنة الأجانب عن القدح فيه. والقِ في قلوبهم رعبه وامح من صدره ما يوغره ويزفيه. والحارث يوجل من كثرة الأمطار، وهبوب الإعصار. والمعلم من رغبة الناس عن العلم إلى الجهل. والمتعلم من عقبة الكتاب. وعاقبة الكتاب، الشافه لما عنده من ثمد الجلد، والحاضر له عن اللهو والدد. والمغنّي والعازف بآلات الطرب من وقوع الغلاء، أو استيلاء الحزن على قلوب الأغنياء. واللاعب من اهتداء الناس إلى الجد. والشاعر من إلفائه ممدوحه كالحجر الصلد، أو محبوبه ذا جفاء وصد. والمؤلف مثلي من مجانين "أي يشفق من مجانين لا انه هو منهم" يتصدون له فيحرقون كتابه، ويخرّقون إِهابه. والزوج من فرار زوجته وكساد ابنته. وهما من بخله وحرمانهما من ثروته. والقسيس من كتب الفلاسفة. والفلاسفة من وعيد القسيس وبوادره العاصفة، ورعوده القاصفة. وفي الجملة فكل ذي حرفة يخاف نفعها عن جانبه. وكل يدعو الله لصلاح حاله ولو بفساد حال صاحبه. إذ لا تكاد تتم مصلحة من هذه المصالح المذكورة إلاّ وينجزّ معها مفسدة بالضرورة. كما قال أبو الطيب المتنبي مصائب قوم عند قوم فوائد. ومع ذلك فكل يزعم أنه محق فيما سأله. جدير بنوال ما أمله. وان لغته في ذلك عند الحق ﷾، اصدق مقالا. نعم أعود فأقول، وإِن طال المقول: أو ما كفى الناس الخوف من الموت يفاجئهم وهم في دعة واطمئنان، أو يفجعهم بفقد ما لديهم عزيز من أهل وولد وأخوان، وخلان وحيوان؟ إذ بعض الناس يكلفون بالخيل والطير والسنانير والكلاب. كلفهم بالأهل والأصحاب. أو الرعب من أن يسقط أحدهم عن ظهر دابته فتندق عنقه. أو تسري النار في بيته فيحترق تالده وطريفه فيعدم رزقه. أو يقع في تيّار فيجفأ به إلى ما شاء الله. أو تخسف به الأرض. أو يخرّ عليه السقف من فوق. أو تبلغه الوكة من مسافة مائتي فرسخ فتقلقه وتورقه وربما أبكته دمًا. أو يأتيه سارق فيسرق متاعه الذي هو قوام معيشته. أو يفقد ما في كيسه أو هميانه في الطريق. أو ينشب في عينيه عود فيعطلها. أو تتشنج به عضلة فيعد بعدها من سقط المتاع. أو يأكل شيئًا ضارًّا فيودي به أو شرابًا مسمومًا فيسقط أمعاؤه وأرابه. أو يرى جميلة فيؤرقه جمالها فيصبح وهو هائم متيّم يشكو للطبيب من سقامه، وللشاعر من غرامه. فلا هذا يطعمه ويمنيه. ولا ذاك ينفعه ويشفيه. أو قبيحة فتدهمه مرعبة ويلازمه القمة عن المأدبة أو تنبحه الكلاب وتخرق ثيابه فيبدو وذمه. أو يسيل دمه أو يكون جالسا يوما على التخت، فيسمع له صريف التحت فيسود وجهه بين إخوانه وعترته وأهل قريته وكورته وربما نبزوه بالخضفي أو الغضفي أو النضفي أو الخبقي أو الخفقي أو العفقي أو الغفقي أو الحصمي أو الخضمي أوالردّمي أو يقع عليه الكابوس ليلًا فيقف جريان دمه على قلبه فيهلك ليلته.

1 / 140