بعد معجزات من التجارب والحسابات، أجريت المحاولة الأولى للسفر عبر المجرات. استخدم نجم قاحل من الكواكب كمستودع للطاقة العادية ودون الذرية أيضا. ومن خلال أجهزة بارعة يعجز عقلي عن فهمها عجزا شديدا، وجه هذا المخزون من الطاقة بطريقة معينة إلى نجم مختار بأطواق كوكبية، كي يميل به تدريجيا في اتجاه المجرة الغريبة. وقد كانت المهمة المعنية بضمان بقاء كواكب هذا النجم في مداراتها الفعلية خلال هذه العملية وخلال ما يليها من تسارع لشمسها، حساسة للغاية غير أنها أنجزت دون تدمير أكثر من اثني عشر عالما. بالرغم من ذلك، فمن سوء الحظ أنه فور توجيه النجم على النحو الصحيح، وبعد أن بدأ في اكتساب سرعته، انفجر. ثمة كرة من مادة وهاجة قد تمددت من الشمس بسرعة مذهلة وابتلعت جميع أطواق الكواكب ودمرتها. وحينها انحسر النجم.
على مدار تاريخ المجرة، كان السطوع والأفول المفاجئ لأحد النجوم أمرا شائعا للغاية. وكان من المعروف أنه يتألف من انفجار للطاقة دون الذرية من الطبقات السطحية للنجم. وقد كان يحدث هذا في بعض الأحيان بسبب تأثير جسم متجول صغير لا يزيد حجمه في معظم الأحوال عن حجم الكويكب، وأحيانا بسبب عوامل تتعلق بالتطور الفيزيائي للنجم نفسه. وفي كلتا الحالتين، كان اتحاد عوالم المجرة يستطيع أن يتنبأ بالحدث بدقة كبيرة وأن يتخذ خطوات لتغيير اتجاه الجسم المتطفل، أو لإبعاد نظام العوالم المهدد عن طريق الأذى. غير أن هذه الكارثة المحددة لم تكن متوقعة على الإطلاق، ولم يعرف لها سبب محدد. وقد أخلت بالقوانين الفيزيائية الراسخة.
وبينما كان اتحاد العوالم يحاول فهم ما قد حدث، انفجر نجم آخر. وقد كان هذا النجم هو شمس أحد أنظمة العوالم الرائدة. كانت المحاولات قد أجريت حديثا من أجل زيادة إخراج الإشعاع من هذا النجم، وقد ساد الاعتقاد بأن تلك الكارثة لا بد أنها تتعلق بهذه التجارب. وبعد فترة، انفجر المزيد والمزيد من النجوم، مدمرة جميع عوالمها. وفي العديد من الحالات، كانت المحاولات قد أجريت مؤخرا إما لتغيير مسار النجم أو الانتفاع بطاقته المخزنة.
انتشرت المشكلة، ودمرت العديد من أنظمة العوالم واحدا تلو الآخر. كانت جميع محاولات التدخل في آليات عمل النجوم قد نبذت الآن، غير أن وباء «المستعرات» قد استمر، بل ازداد. وفي جميع الحالات كان النجم المنفجر شمسا لنظام كوكبي.
في مرحلة «المستعر» المعتادة، لم يكن الانفجار يحدث نتيجة للاصطدام بل بفعل قوى داخلية، وكان من المعروف أنها تحدث في مرحلة شباب النجم أو نضوجه المبكر، ونادرا ما كانت تحدث أكثر من مرة في حياة النجم، هذا إن حدثت على الإطلاق. أما في هذه المرحلة المتأخرة من المجرة، كان عدد النجوم التي مرت بمرحلة «المستعر» الطبيعية يفوق عدد النجوم التي لم تمر بها؛ ومن ثم فقد كان من الممكن نقل أنظمة بأكملها من العوالم من النجوم الأحدث المعرضة للخطر وتوطينها في مدارات قريبة حول النجوم الأقدم. وبكمية ضخمة من الطاقة، أجريت هذه العملية مرات عدة. لقد وضعت الخطط البطولية لنقل مجتمع المجرة بأكمله من خلال الهجرة إلى النجوم الآمنة، وتطبيق القتل الرحيم على باقي شعوب العوالم التي لم يكن من الممكن استيعابها بتلك الطريقة.
وفي أثناء التنفيذ، فشلت هذه الخطة بسبب حلول سلسلة جديدة من الكوارث. إن النجوم التي انفجرت بالفعل، قد طورت القدرة على الانفجار مرة تلو الأخرى عند تطويقها بالكواكب. علاوة على ذلك، بدأ نوع جديد من الكوارث في الحدوث. لقد بدأت النجوم القديمة للغاية والتي كانت قد تجاوزت الفترة التي يمكن أن تحدث فيها الانفجارات منذ وقت طويل، تتصرف على نحو محير؛ إذ تنطلق نفثة من المواد المتوهجة من غلافها الضوئي، ومع دوران النجم تتجه هذه النفثة إلى الخارج على شكل دوامة زاحفة. في بعض الأحيان، كان هذا الشكل الخرطومي المتقد يتسبب في تكلس أسطح جميع الكواكب في جميع المدارات، مما يؤدي إلى قتل جميع مظاهر الحياة عليها. وفي بعض الحالات، إذا لم يحدث اجتياح هذا الشكل الخرطومي في مستوى المدارات الكوكبية، كان عدد من الكواكب يتمكن من الهروب من التدمير. بالرغم من ذلك، ففي العديد من الحالات التي لم يحدث فيها التدمير بالكامل منذ البداية، كان هذا الشكل الخرطومي يتمكن تدريجيا من الدخول إلى المستوى الكوكبي بقدر أكبر من الدقة ويدمر ما تبقى من العوالم.
وسرعان ما أصبح من الواضح أنه إذا لم يتم كبح جماح هذين النوعين من الأنشطة النجمية، فسوف تنتهي الحضارة أو ربما تندثر الحياة بأكملها من على المجرة. لم تقدم المعرفة الفلكية أي إشارة لسبب المشكلة أيا كان. كانت نظرية تطور النجوم تبدو مثالية للغاية، غير أنها لم تتضمن أيا من هذه الأحداث الفريدة. في هذه الأثناء، كان اتحاد العوالم قد انطلق في مهمة التفجير الاصطناعي لجميع النجوم التي لم تمر بمرحلة «المستعر» تلقائيا بعد. وقد كان المرجو أن يؤدي هذا إلى جعلها آمنة نسبيا، ثم استخدامها مرة أخرى بصفتها شموسا. أما الآن وقد أصبحت أنواع النجوم جميعها على الدرجة ذاتها من الخطر، فقد تخلى اتحاد العوالم عن هذه المهمة. وبدلا من ذلك، وضعت الترتيبات من أجل الحصول على الإشعاع اللازم للحياة من النجوم التي توقفت عن السطوع. إن التفكك المحكوم لذراتها سيجعل منها شموسا مرضية لفترة من الوقت على الأقل. وبالرغم من ذلك، فمن سوء الحظ أن وباء النفثات المتقدة كان يزداد بسرعة كبيرة. وراحت أنظمة العوالم الحية بأكملها تمحى من الوجود نظاما تلو النظام. وأخيرا، توصلت الأبحاث المستميتة إلى طريقة لتحويل مسار المجس المتقد بعيدا عن مستوى مدار الشمس. غير أن هذه العملية لم تكن مضمونة على الإطلاق. وإضافة إلى ذلك، فحتى إذا نجحت، فسوف تطلق الشمس نفثة متقدة أخرى بعد وقت طال أو قصر.
كانت حالة المجرة تتغير بسرعة كبيرة. حتى ذلك الوقت، كانت هناك كمية هائلة من الطاقة النجمية، غير أن هذه الطاقة كانت تهطل الآن كما يهطل المطر من غيمة رعدية. وبالرغم من أن انفجارا واحدا لم يكن يؤثر بشدة في قوة النجم، فإن تكرار الانفجارات كان يصبح أكثر إنهاكا مع ازديادها في العدد. كانت العديد من النجوم الحديثة تتداعى إلى الشيخوخة. وكانت الغالبية العظمى من النجوم قد تجاوزت الآن أوجها؛ فصار الكثير منها محض فحم مضيء أو رماد معتم. العوالم العاقلة كانت هي أيضا قد تناقص عددها بدرجة كبيرة؛ إذ بالرغم من جميع إجراءاتها المبتكرة للدفاع، كانت الأضرار ما تزال جسيمة. وقد كان هذا التناقص في عدد العوالم هو الأخطر؛ إذ إن اتحاد عوالم المجرة كان في أوجه على درجة عالية من التنظيم. لقد كان أشبه بالدماغ منه بالمجتمع في بعض الجوانب. وقد كادت تطمس الكارثة بعضا من «مراكز الدماغ» العليا، وقللت من فاعلية جميع المراكز بدرجة كبيرة. وقد أعاقت أيضا بشدة الاتصال التخاطري بين أنظمة العوالم من خلال إرغامها على التركيز على مشكلتها الفيزيائية العاجلة المتمثلة في الدفاع ضد الهجمات التي تتعرض لها من جانب شمسها. وكان العقل المشترك لاتحاد العوالم قد توقف الآن عن العمل.
التوجه العاطفي للعوالم قد تغير هو أيضا. اختفى الحماس تجاه تأسيس الطوباوية الكونية، وتلاشى معه الحماس لاستكمال مغامرة الروح من خلال اكتمال المعرفة وإشباع الملكة الإبداعية. والآن وقد بدا أن لا محيص عن الانقراض خلال فترة قصيرة نسبيا، ظهرت إرادة متزايدة لملاقاة المصير بسلام ديني. الآن بدت الرغبة في تحقيق الهدف الكوني البعيد الذي كان فيما سبق هو الدافع الأسمى لجميع العوالم المتيقظة نوعا من الترف بل الإثم؛ فكيف للكائنات الضئيلة المتمثلة في العوالم المتيقظة أن تلم بمعارف الكون بأكمله وبما هو إلهي؟ بدلا من ذلك، إن عليها أن تؤدي دورها في المسرحية وتحتفي بنهايتها المأساوية بشيء من التجرد والتلذذ الإلهي.
وهذه الحالة المزاجية المتمثلة في الاستسلام الجذل، والتي تليق بكارثة لا محيص عنها، قد تغيرت سريعا بفعل اكتشاف جديد. على مدار فترة طويلة، ساد الشك في بعض المناطق بأن هذا النشاط غير المنتظم للنجوم ليس تلقائيا في حقيقة الأمر بل هو عمدي، وأن النجوم حية في حقيقة الأمر وتحاول التخلص من آفة الكواكب. بدا هذا الاحتمال في البداية خياليا للغاية، غير أنه قد اتضح تدريجيا أن تدمير النظام الكوكبي لأحد النجوم هو النهاية التي تحدد فترة النشاط غير المنتظم. وقد كان من المحتمل بالطبع أن وجود العديد من الأطواق الكوكبية قد تسبب في حدوث الانفجار أو ظهور الطرف المتقد، بطريقة آلية محضة وإن كانت غير مفهومة. غير أن الفيزياء الفلكية لم تستطع أن تقترح أي آلية قد تؤدي إلى هذه النتيجة. كانت الأبحاث التخاطرية تجرى الآن من أجل اختبار نظرية الوعي النجمي، وإقامة اتصال مع النجوم العاقلة إن أمكن. كانت هذه المحاولة عقيمة تماما في بداية الأمر. لم يكن لدى العوالم أي دراية بالطريقة الصحيحة التي يمكن الوصول بها إلى عقول، إن كان لها أي وجود على الإطلاق، فستكون مختلفة تمام الاختلاف عن عقولنا. بدا من المحتمل للغاية أنه لا توجد أي عوامل في عقلية العوالم العاقلة ستكون على درجة كافية من الشبه بالعقلية النجمية لتشكيل وسيلة للتواصل. وبالرغم من أن العوالم قد استخدمت قدراتها التخيلية على أفضل نحو ممكن لديها، وبالرغم من أنها استكشفت جميع الممرات والدهاليز الباطنية لعقليتها، إن صح التعبير، وراحت تصغي في كل مكان أملا في الحصول على الإجابة، فإنها لم تستقبل شيئا. وبدأت نظرية الغائية النجمة تبدو غير معقولة. ومرة أخرى، بدأت العوالم تتجه إلى التعزي في القبول، بل الابتهاج به. بالرغم من ذلك، فقد استمر عدد قليل من أنظمة العوالم التي تخصصت في الأساليب النفسية، في أبحاثها، واثقة بأنها إذا تمكنت فقط من التواصل مع النجوم، فسوف يكون من الممكن تحقيق قدر من التفاهم والاتفاق المشترك بين أعظم مرتبتين عقليتين في المجرة. وأخيرا، تحقق التواصل المرتجى مع العقول النجمية. وهو لم يتحقق من خلال جهود العوالم العاقلة غير المصحوبة بالمساعدة لمجرتنا فحسب، بل تحقق جزئيا من خلال تأمل مجرة أخرى كانت العوالم والنجوم الموجودة فيها قد بدأ كل منها يدرك وجود الآخر.
صفحة غير معروفة