كتاب السماع
محقق
أبو الوفا المراغي
الناشر
وزارة الأوقاف
مكان النشر
المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - القاهرة / مصر
تصانيف
الفقه
أمات عُودُ الطَّرْقِ. فَتَبَسَّمَ فَفَهِمَهَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، فَقَالَ: لَعَلَّهُ بَلَغَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَدِيثَ السَّفِيهِ الَّذِي آذَانِي بِالأَمْسِ، وأَلجأَنِي إِلَى أَنْ حَلَفْتُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَدَعَا الرَّشِيدُ بِعُودً فَغَنَّاهُ:
(يَا أُمَّ طَلْحَةَ إِنَّ الْبَيْنَ قَدْ أَفِدَا ... قل الثواء لِأَنَّهُ كَانَ الرَّحِيلُ غَدًا)
فَقَالَ الرَّشِيدُ مَنْ كَانَ مِنْ فُقَهَائِكُمْ يَكْرَهُ السَّمَاعَ؟ فَقَالَ: مَنْ رَبَطَ اللَّهِ عَلَى قَلْبِهِ. قَالَ: فَهَلْ بَلَغَكَ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا شَيْءٌ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ. إِلَّا أَنَّ أَبِي أَخْبَرَنِي أَنَّهُمُ اجْتَمَعُوا فِي مَدْعَاةٍ كَانَتْ فِي بَنِي يَرْبُوعٍ، وهم يَوْمئِذٍ جلة، وَمَالك أقللهم فِي فِقْهِهِ وَقَدْرِهِ وَمَعَهُمْ دُفُوفٌ وَمَعَازِفُ وَعِيدَانُ يُغَنُّونَ وَيَلْعَبُونَ وَمَعَ مَالِكٌ دُفٌّ مُرَبَّعٌ وَهُوَ يُغَنِّيهِمْ:
(سُلَيْمَى أَزْمَعْتِ بَيْنًا ... وَأَيْنَ لِقَاؤُهَا أَيْنَا)
(وَقَدْ قَالَتْ لأَتْرَابٍ ... لَهَا زُهْرٌ تَلاقَيْنَا)
(تَعَالَيْنَ فَقَدْ طَابَ ... لَنَا الْعَيْشُ تَعَالَيْنَا)
/ فَضَحِكَ الرَّشِيدُ وَوَصَلَهُ بِمَالٍ عَظِيمٍ.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةٍ - يكنى أَبَا اسحق، فَقَدْ صَحَّ عِنْدَ سَائِرِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ سَمَاعَ الأَوْتَارِ مَذْهَبٌ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَأَمَّا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ فَكَانَ يُبَالِغُ فِيهِ إِلَى هَذَا الْحَدِّ - وَقَدِ اجْتَمَعَ الأَئَمَّةُ عَلَى ثِقَتِهِ وَعَدَالَتِهِ وَالرِّوَايَةِ عَنْهُ وَاتَّفَقَ البُخَارِيّ وَمُسلم عَن إِخْرَاجِ حَدِيثِهِ فِي الصَّحِيحِ وَلَمْ تَسْقُطْ عَدَالَتُهُ بِفِعْلِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَكَيْفَ تَسْقُطُ عَدَالَةُ الْمُسْتَمِعِ؟ بَلْ قُلِّدَ الْقَضَاءَ بِبَغْدَادَ عَلَى جلالتها، وقلد أَبوهُ الْقُضَاة بِالْمَدِينَةِ عَلَى شَرَفِهَا، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ مَذْهَبِهِمَا إِبَاحَةُ اسْتِمَاعِ الأَوْتَارِ.
1 / 66