الصاحبي في فقه اللغة
الناشر
محمد علي بيضون
رقم الإصدار
الطبعة الأولى ١٤١٨هـ
سنة النشر
١٩٩٧م
أَكَفَرْتُمْ﴾ ١ معناه: فيقال لهم، لأن أمّا لا بد لها في الخبر من فاء، فلما أضمر القول أضمر الفاء. ومثله٢:
فلا تدفِنُوني إن دَفْني محرّمٌ ... عليكم ولكن خامِري أمَّ عامر
أي اتركوني للتي يقال لها "خامري". ومنه ﴿ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ﴾ ٣ أي: يعمّركم لتبلغوا أشدّكم. ومن باب الإضمار: "أثَعْلَبًا وتَفِرُّ" أي: أترى ثعلبًا. وفي كتاب الله جلّ ثناؤه: ﴿وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمْ﴾ ٤ أي يقولون: و"أسر رجلٌ أسيرًا ليلًا فلما أصبح رآه أسوَدَ فقال: أعبدًا سائرَ الليلة" كأنه قال: أراني أسرت عبدًا. ومن الإضمار: ﴿قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ﴾ ٥ فهذا مضمَر كأنه لما سألهم عادوا بالسؤال عليه فقيل له: ﴿قُلْ لِلَّهِ﴾ .
ومن الإضمار ﴿فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ﴾ ٦ معناه: فضربوه فحَيَّ كذلك "يُحيى اللهُ الموتى" ومثله في كتاب الله كثير.
باب من الإضمار الآخر:
العرب تضمر الفعل فيشتبه المعنى حتى يُعْتَبَر فُيوقَفَ على المراد. وذلك كقول الخنساء٧:
يا صَخْرُ وَرّادَ قد تَنَاذَرَهُ ... أهلُ المواردِ ما في وِرْدِه عارُ
ظاهر هذا أن معناه: ما على ما وردَه عار، وليس في ورد الماء عار فيُبْجَحَ به. ولكن معناه: ما في ترك ورْدِهِ مخافةً عارٌ. وإنما عَنَتْ أنه ورد ماءً مخوفًا يتحاماه الناس فيُنذِرُ بعضهم بعضًا، تقول: فهو يرد هذا الماء لجُرْأته. ومثله قول
١ سورة آل عمران، الآية: ١٠٦. ٢ ديوان الشنفرى: ٤٨، والشنفرى هو ثابت بن جابر، شاعر صعلوك جاهلي. ورواية الديوان: لا تقبروني إن قبري محرّمٌ ... عليكم ولكن أبشري أم عامر ٣ سورة غافر، الآية: ٦٧. ٤ سورة الأنبياء، الآية: ١٠٣. ٥ سورة الأنعام، الآية: ١٢. ٦ سورة البقرة، الآية: ٧٣. ٧ ديوانها: ٤٨. والخنساء هي تماضر بنت الشريد شاعرة مخضرمة، ماتت سنة ٢٤هـ.
1 / 178