تفصيل ما تلزم العقوبة فيه من الجنايات مما لا تلزم فيه العقوبة
قال أرسطوطيلس إن العقوبة لا تجب فيما لا يكون بإرادة وذلك مثل أن يأخذ آخذ بيده فيضرب بها غيره قال ووجه آخر مما لا يكون بإرادة وهو أن لا يعلم لمن يضرب أو بأي شيء يضرب أو أنه مال الفعل ذلك بأن يطعن وهو يظن أنه لم يطعن وجميع ما يفعل لمكان آفة عارضة من غضب أو سهوة أو سكر ففيه العقوبة لأنها إرادية وذلك أنه لم يذهب على فاعليها لمن يضرب أو بأي شيء يضرب ولا أي فعل يفعل قال وأصحاب النواميس لا يعذرون السكران لأنه سبب آفته وهذه الآفات أعني الغضب والشهوة والسكر يزيد عن الإختيار لا عن الإرادة فالذي يذهب عن هولاء معرفة المختار لا معرفة المراد قال وجهل الإنسان بما هو آمر ليس يكون علة لا إرادة لكن علة الرداءة ومن المحال أن يقال بأن هذه ليست بإرادته وأكثر أفعال الناس إنما تكون من غضب وشهوة قال وأيضا فمن المنكر أن يقال بأن غضبنا أو شهوتنا تخرجنا عن الإرادة وقد يجب في بعض الأشياء أن نغضب وفي بعضها أن نشتهي
الأفعال المختلطة من الإرادة ومن لا إرادة أيها تكون إرادية أو لا إرادية
قال أرسطوطيلس الإفعال المختلطة من الإرادة ومن لا إرادة بالإرادية أشبه وذلك أن هذه الأفعال وقت ما تفعل إرادية والبدء فيها إلى الفاعل وهذه مثل ما يفعل لخوف القتل أو من أجل ما لا يصبر على مثله ومثل طرح الأموال في البحر مخافة الغرق وهذه تشبه ما تكون بغير إرادة لأن فاعلها إنما يفعلها من أجل المخافة وربما لم يصلح أن يعذر إذا كانت الأشياء التي قد فعلت عظيمة ومن العسر أن يفصل أي الأشياء ينبغي أن يعذر وأيها لا ينبغي أن يعذر فإن التي تتخوف منها موذية والتي يحمل عليها قبيحة
في العلة التي من أجلها يحكم للجور بالعظم
قال أرسطوطيلس الجور إنما يكون عظيما بوجهين أحدهما عظم الضرر والآخر عظم الشر قال وعظم الشر يكون بوجوه أحدها أن يكون فيما تعظم حرمته مثل أن يسلب كسوة بيوت الله أو يفعل ما تخف منفعته ويعظم ضرره مثل النبش عن الموتى وأخذ أكفانهم أو يكون أول من فعل ذلك أو يكون قد فعل ذلك الفعل بعينه مرارا أو يكون إنما فعل ذلك من بعد العهود والأيمان أو يكون قد أساء إلى من أحسن إليه والظلم في غير المكتوب أعظم قال واللصوص وقطاع الطريق والمقامرون كفار وظلمة قال والظلمة وأهل الشر هم كفار أيضا
في الأسباب الباعثة على الجور
قال أرسطوطيلس الجائرون إنما يجورون حين يظنون أنه لا يمسهم الغرم والقصاص البتة أو يكون ما يلحقهم أقل من المنفعة ويقع لهم هذا الظن لعلل أحدها أن يكونوا مياسير أو ذي حماية أو سلطان أو إخوان أمثال هؤلاء أو من المتصلة بهم أو يقدروا حمايتهم لهم بالرشوة قال وقد يجور الإنسان لا لينفع نفسه لكن ليلحق المضرة بمن يقعل به وتكون ذلك إما لسوء ناله منه أو لسوء نال إخوانه منه أو من جهته أو يظن أنه ليس يجور إن كان من يفعل به قد يفعل بالناس مثله
في الأسباب الدالة على الجور
قال أرسطوطيلس الجائر كثيرا ما يجور على من تغلب عليه الحياء وكثيرا ما يجور على من يحتمل الظلم وربما جاروا على من يعرف بالتحرض وطلب الشر وعلى الذين تشناهم القضاة والحكام وعلى الذين يشناهم أصدقاء القضاة والحكام قال وقد يجور من يظن أنه لا ينتصف منه لأنه يخفى أمره ومن هذا الضرب يكون جور الضعيف ومن لا مقدرة له على القوى لأنه يطمع في أن يخفى أمره من قبل أنه لا يظن به ذلك
صفحة غير معروفة