بسم الله الرحمن الرحيم قال الصاحب كافي الكفاة إسماعيل بن عباد: فصلٌ وردتُ - أدام الله عزَّ مولانا - العراق، فكان أوَّل ما اتفق لي استدعاء مولاي الأستاذ أبي محمد أيَّده الله، وجمعه بين ندمائه من أهل الفضل وبيني، وكان الذي كلَّمني منهم شيخ ظريف، خفيف الروح أديب، متقعِّر في كلامه

1 / 87

لطيف يُعرفَ بالقاضي ابن قريعة، فإنه جاراني في مسائل خفَّتُها تمنع من ذكرها واقتصاصها، إلا أني استظرفت قوله في حشو كلامه: هذا الذي أورْدَتهُ الصافَّة عن الصافَّة، والكافَّة عن الكافة، والحافَّة عن الحافة. وله نوادر غريبة ومِلحُ عجيبة منها: إن كهلًا تطايب بحضرة الأستاذ أبي محمد أيَّدَه الله، فسأله عن حدِّ القفا مريدًا تخجيله، فقال هو ما اشتمل عليه جِربّانُك، ومازحك فيه إخوانك، وباسطك فيه غلمانك، وأدَّبك عليه سلطانُك، فهذه حدودُ أربعة.

1 / 88

فانصرفت وقد ورد الخبرً بِمُضيِّ أبي الفضل صاحب البريد ﵁ ورحمه، وأنسأ أَجَلَ مولانا ومدَّ فيه -، فساعدتُ القومَ على الجلوس للتعزية عنه، لِمَا كان من الحال الذي يُعْرَف بيني وبينه: صِلةٌ غدتْ في الناسِ وهيَ قطيعةٌ ... عجبًا وبِرٌّ راح وهو جفاءُ فما تمكَّنْتُ أنْ جاءني رسولُ الأستاذ أبي محمد - أيَّده الله - يستدعيني، فعرَّفته عذري وحسبته يعفيني، فعاودني بمن استحضرني، فدخلتُ عليه وقد قعد. . . .، ثم قال: أتعرف أحسنَ صنيعًا منّي بك؟ وقد نقلتك عن وا حرباه إلى وا طرباه، وسمعت عنده خادمه المسمَّى سلافًا وهو يضرب بالطنبور، ويجيد ويغنّي ويحسن، وفيه يقول - وقد شربنا عنده سلافًا -: قد سمعنا وقد شربنا سلافًا ... وجَمَعنا بلطفه أوصافا وشاهدت من حسن مجلسه، وخفَّة روح أدبه، وإنشاده

1 / 89

الصنوبري وطبقته، ما طاب به الوقت، وهشَّت له النفس، وشاكل رقَّة ذلك الهوى، وعذوبة ذلك اللمى. وكان فيما أنشدني لنفسه، وقد عمله في بعض غلمانه: خطط مقوَّمةٌ ومفرقُ طُرَّةٍ ... فكأنَّ سُنَّةَ وجهه محراب وَرَّيْتُ في كشفِ الذي ألقى به ... فتعطَّل النَّمام والمغتاب فانصرفتُ عنه، وجعلت ألقاه في دار الإمارة، وهو على جملةٍ من البرِّ والتكرمة، حتى عرفتُ خروجَه إلى بستانٍ بالياسريَّة لم يُرَ أحسن منه ولا أطيبُ من يومه فيه، لا أنَي حضرتُه ولكني حُدِّثْتُ بما جرى له، فكتبتُ إليه شعرًا: قل للوزير أبي محمدٍ الذي ... من دون محتدِهِ السهى والفرقَدُ

1 / 90

مَنْ أن سما هبط الزمانُ وريبُه ... أو قام فالدهرُ المغالِبُ يقعدُ سقَّيتني مشمولةً ذهبيةً ... كالنار في نور الزجاجة توقَدُ لمَّا تخون صرفُ دهرٍ عارضٍ ... صبري وقلبي مستهامٌ مُكمدُ وفطمتني من بعدها عنها فقد ... أصبحتُ ذا حزنٍ يقيم ويقعدُ من أين لي مهما أردتُ الشربَ عن ... دك يأخا العلياء صبرٌ يوجدُ فاستطاب هذا الشعر وأُعجِبَ به، واستدعاني من غده فصلٌ استدعاني الأستاذ أبو محمد فحضرتُ، وابنا المنجِّم في مجلسه، وقد أعدا قصيدتين في مدحه، فمنعهما من النشيد

1 / 91