) فإن كانَ يركُمُ ما مضَىَ ... فعَوْدًا إلى حمصِ في القابِلِ (
) فإن الحسامَ الصقيل الذي ... قُتلسْتم بهِ في يَدِ القاتلِ (
فقال أبو الطيب: أما إحساني في هذه الأبيات عن إساءة، إن كانت، في غيرها؟ فقلت: ما أعرف لك إحسانًا، ولا أعترف لك باختراع إذا كانت هذه الأبيات التي تتخيل أنك السباق إلى معانيها ورب الإحسان فيها مسترقة ملصقة، فيما تقدم من نظمها وابتكره أصحابها من معانيها، شاغل عن تكرير لها، وتبديل لألفاظها، وقد قيل:
ولكنْ بكَتْ قبَلي فهَُيج لي البكُاَ ... بُكاها فقلُت الفضْل للمُتقَدُمِ
أما قولك:
) أرى ذلك القرب صار ازوراراَ (
فمن قول بعض المحدثين:
أقبَلَتْ ثمُ أعرَضَتْ لذَنْبٍ ... بأبي مَنْ دُنُوُها عادَ بعُدْاَ
وأما قولك:
) أموات مرارًا وأحيا مرارا (
فمن قول العباس بن الأحنف:
لعَمري لقد جَعَلَ القاَدِ حُونَ ... بيني وبينكِ يُورونَ ناراَ
ونفْسيِ مُعلقَةٌ بالرُجاء ... تمَوت مرِارًا وتحَيا مِراراَ
وقولك:
) لكانوا الظلام وكنت النهاراَ (
فمن قول الآخر: بيضاء في وجنتها احمرار
يعَيبهُا جاراتُها القِصَارُ ... هُن الليالي وهيَ النهارُ
وقولك:
) أسير إلى إقطاعه في ثيابه (
البيت. . . من قول أحمد بن أبي طاهر:
لوْ كنْتُ مِن أوْلادِ يحِيَى لما ... زادَ ولوْ كانَ أبُوهُ أبي
مِن مالِهِ مالي ومِن جاهِهِ ... جاهي ومِن مَركَبِهِ مركَبي
وأحمد بن أبي طاهر أخذه من شاعر قديم:
فلَحمي وما قد سِيطَ باللُحم من دمي ... وجاهي وقَدْري من ثَراكَ ومالي
ولوْ لم يقُمْ بالشُكرِ لفَظي لخَبَُرَتْ ... يَميني بما أولْيَتني وشمِالي
ونَم بهِ جِلدْي وعَظْمي ومفَصِلي ... وعَبدي وبرذْوني ونضَرَةُ حالي
وقد أخذت أيضًا قوله " ونم به جلدي " فقلت:
) أقَرُ جلِدْي بهاَ عَلي فَماَ ... أقْدرُ حتى المَماتِ أجحَدُها (
والأصل في ذلك المعنى قول النابغة الذبياني:
فإنُ تلادي إنْ نَظَرْتُ وشِكُيُ ... ومهُري وما انضَمُتْ عليهِ الأنامِلُ
حبِاؤكَ والعيِيُ الهجانُ كأنها ... هِجانُ المهَا تَرْدي عليها الرحائلُِ
وقولك:
) إذا لم يعوذ مجده بعيوب (
من قول كشاجم:
شخَصَ الأنامَ إلى جَمالك فاستَعِذْ ... من شُرَ أعيُنِهِمْ بعَيْبٍ واحِدِ
وقولك:
) بشق قلوب لا بشق جيوب (
مقو قول أعرابي:
ومن دونِ ما ألقاهُ من ألَمِ الهَوَى ... تُشَق قلُوبُ بَلْ تشُقُ جُيوبُ
ولمُا نظرنا بِالرُقِيبِ ولحَحْظِهِ ... والحظي على لَحْظِ الرُقيبِ رقَيبُ
وقولك:
) ولا رأي في الحب للعاقل (
من قول الأول:
وما من فتى في الناس يُحَمدُ أمرُهُ ... فيوجَدَ إلا وهْوَ في الحُب أحمَقُ
وقولك:
) وتأبى الطباع على الناقل (
من قول الأول:
وكيف بتركي يا ابن أم الطبائعا
وقال الآخر:
إن التخلق يأتي دونه الخلق
وقولك:
) فإنُ الحُساَمَ الصقيل الذي ... قُتلِتُمْ بهِ يَدِ القاتِلِ (
من قول عمرو بن الأهتم:
فإن الرُدَيْنيُ الأصَمَ كعُوبُهُ ... إذا عُدْتَ في ظلُمِ الصديقِ يَعودُ
فبهره ما أوردته وقيد نطقه. وأعجب المهلي ذلك كل الإعجاب، فقال الأنباري: لله أبي الطيب في قوله:
) كذا قضَتِ الأيامُ ما ببنَ أهلهِا ... مصَائب قوْمٍ عند قوْمٍ فوائدُ (
فقلت بل لله در أبي العتاهية في قوله:
مَوْتُ بعَضِ الناسِ في الأرْ ... ضِ على بَعْضٍ فُتُوحْ
إلا أن أبا الطبي أكرم لفظًا، وأول من نطق بهذا المعنى عمرو بن حلزة، أخو الحارث، في كلمته التي أولها:
لم يكُنْ إلا الذي كانَ يكُونُ ... وخطوبُ الناس في الدهرِ فنونُ
ثم قال ي اثر هذا:
ربما قَرتْ عيونُ بشَجى ... مُرْمضٍ قد سخَنتْ منهُ عيونُ
فهذا قوله:
) مصائب قوم عند قوم فوائد (
فقال الأنباري: ومن قوم فوائد
) ومن نكدَِ الدُنيا على الحُر أن يرَىَ ... عَدُوًا لهُ ما من صَداقَتِهِ بُدُ (
فقلت: العجيب قول النظام البائس:
1 / 38