مدخل
...
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
الحمد لله الذي نزل أحسن الحديث كتابا والصلاة والسلام على من جاء ببيان ما نزل إليه سكوتا وفعلا وخطابا وعلى آله ناقلي أخباره ومدوني أحاديثه وآثاره.
أما بعد: فإن العلم الذي لا بد منه لكل قاصد ولا يستغني عن طلبه عالم ولا عابد علم الحديث والسنة وما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته وسنة:
دين النبي وشرعة أخباره ... وأجل علم يقتفي آثاره
من كان مشتغلا بها وبنشرها ... بين البرية لاعفت آثاره
وهو من العلوم الأخروية والنجاة لمن تمسك به من كل بلية والعصمة لمن التجأ إليه والهدى لمن استهدى به وعول عليه وأهله حفاظ الشريعة من الأعداء وحراسها ممن يريد التمرد والشقاء ولولاهم لاضمحل الدين وكان عرضة لتلاعب المتمردين وهم عدول هذه الأمة والكاشفون عنها كل غمة وخلفاء النبي عليه السلام وأهله الخاصون به من الأنام وكفاهم شرفا أنهم أكثر الناس صلاة على حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم وقد اشتهروا بطول الأعمار
صفحة ١
والتجربة مصدقة لذلك في سائر الإعصار ودعا لهم النبي بالرحمة والنضارة وبشرهم بالجنة التي هي أجل بشارة وقيل فيهم: أنهم من أكثر الناس خيرا ومالا وأوفرهم رزقا حلالا وقد قيل: وهو لأبي إسحاق إبراهيم بن عبد القادر الرياحي التونسي:
أهل الحديث طويلة أعمارهم ... ووجوههم بدعا النبي منضرة
وسمعت من بعض المشايخ أنهم ... أرزاقهم أيضا به متكثره
وأنهم ممن يستدفع بهم البلاء وأقرب الناس منزلة يوم القيامة من خير الأنبياء وسيد الشفعاء وأنهم هم العلماء على الحقيقة والتمام ولا يدعى باسم العالم غيرهم يوم القيام وقيل: من علامات محبته عليه السلام العكوف على ذكره وسماع حديثه في الارتحال والمقام ومما أنشده بعضهم:
لم أسم1 في طلب الحديث لسمعة ... أو لاجتماع قديمة وحديثه
لكن إذا فات المحب لقاء من ... يهوى تعلل باستماع حديثه
وقد وضعت فيه وفيما يتعلق به الدواوين الكثيرة والمؤلفات الصغيرة والكبيرة وهي من كثرتها لا تعد ولا تحصر ولا يمكن أن يحصيها محص ولو أكثر
والمقصود في هذه الرسالة المستطرفة: بيان المشهور وما تشتد إليه الحاجة منها ليكون الطالب منه على كمال البصيرة والمعرفة وتتميم الفائدة
صفحة ٢
بنسبة كل كتاب لمؤلفه وذكر وفاة جامعه ومصنفه والله أسأل العون والقبول ونيل المنى والوطر والسول بمنه آمين.
واعلم أن علم الحديث لدى من يقول: إنه أعم من السنة هو: العلم المشتمل على نقل ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى صحابي أو إلى من دونه من الأقوال والأفعال والتقارير والأحوال والسير والأيام حتى الحركات والسكنات في اليقظة والمنام وأسانيد ذلك وروايته وضبطه وتحرير ألفاظه وشرح معانيه
وقد كان السلف الصالح من الصحابة والتابعين لا يكتبون الحديث ولكنهم يؤدونه لفظا ويأخذونه حفظا إلا كتاب الصدقة وشيئا يسيرا يقف عليه الباحث بعد الاستقصاء حتى خيف عليه الدروس وأسرع في العلماء الموت فكتب عمر بن عبد العزيز1 إلى عامله على المدينة أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري التابعي2: انظر ما كان عندك أي: في بلدك من سنة أو حديث فاكتبه فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء ولا تقبل إلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم - وليفشوا العلم وليجلسوا حتى يعلم من لا يعلم فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرا، فتوفي عمر بن عبد العزيز قبل أن يبعث إليه أبو بكر بما
صفحة ٣
كتبه وكان عمر قد كتب بمثل ذلك أيضا إلى أهل الآفاق وأمرهم بالنظر في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وجمعه.
وأول من دونه بأمره وذلك على رأس المائة الأولى: أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري المدني1 ففي الحلية عن سليمان بن داود قال: أول من دون العلم ابن شهاب، وعن ابن شهاب قال: لم يدون هذا العلم أحد قبل تدويني ثم كثر بعد ذلك التدوين ثم التصنيف وحصل بذلك خير كثير فلله الحمد.
وأول من صنف في الصحيح المجرد على ما قاله غير واحد: الإمام أبو عبد الله البخاري وكانت الكتب قبله مجموعة ممزوجا فيها الصحيح وغيره ولا يرد على هذا موطأ مالك فإنها قبل البخاري وهي مخصوصة بالصحيح أيضا لأن مالكا أدخل فيها المرسل والمنقطع2 والبلاغات، وليست من الصحيح على رأي جماعة خصوصا المتأخرين، ولا يقال أن صحيح الإمام البخاري كذلك أيضا لأنا نقول ما في الموطأ هو كذلك مسموع لمالك غالبا وهو حجة عنده وعند من يقلده وما في البخاري حذف إسناده عمدا إما لقصد التخفيف
صفحة ٤
إن كان ذكره في موضع آخر وإما لقصد التنويع إن كان على غير شرطه ليخرجه عن موضوع كتابه، وإنما يذكر ما يذكر من ذلك تنبيها واستشهادا واستئناسا وتفسيرا لبعض آيات وغير ذلك فما فيه لا يخرجه عن كونه جرد فيه الصحيح بخلاف الموطأ كذا ذكر الحافظ ومن تبعه، وقال السيوطي: ما في كتاب مالك من المراسيل فإنها مع كونها حجة عنده وعند من وافقه من الأئمة من الإحتجاج بالمرسل هي أيضا حجة عندنا لأن المرسل عندنا حجة إذا اعتضد وما من مرسل في الموطأ إلا وله عاضد أو عواضد فالصحيح إطلاق أن الموطأ صحيح لا يستثنى منه شيء. انظر حاشيته على الموطأ.
وقال الشيخ صالح الفلاني في بعض طرره على ألفيه السيوطي في المصطلح بعد نقله لكلام ابن حجر الذي تقدم بعضه ملخصا ما نصه: قلت: وفيما قاله الحافظ من الفرق بين بلاغات الموطأ ومعلقات البخاري نظر فلو أمعن النظر في الموطأ كما أمعن النظر في البخاري لعلم أنه لا فرق بينهما وما ذكره من أن مالكا سمعها كذلك غير مسلم لأنه يذكر بلاغا في رواية يحيى مثلا أو مرسلا فيرويه غيره عن مالك موصولا مسندا وما ذكر من كون مراسيل الموطأ حجة عند مالك ومن تبعه دون غيرهم مردود بأنها حجة عند الشافعي وأهل الحديث لاعتضادها كلها بمسند كما ذكره ابن عبد البر والسيوطي وغيرهما وما
صفحة ٥
ذكره العراقي: أن من بلاغاته ما لا يعرف مردود بأن ابن عبد البر ذكر: أن جميع بلاغاته ومراسيله ومنقطعاته كلها موصولة بطرق صحاح إلا أربعة وقد وصل ابن الصلاح الأربعة بتأليف مستقل وهو عندي وعليه خطه، فظهر بهذا أنه لا فرق بين الموطأ والبخاري وصح أن مالكا أول من صنف في الصحيح كما ذكره ابن العربي وغيره فافهم اه، من خطه بواسطة بعض العلماء.
وقد قال ابن حجر في أول مقدمة فتح الباري ما نصه: اعلم أن آثار النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن في عصر الصحابة وكبار التابعين مدونة في الجوامع ولا مرتبه لأمرين، أحدهما: أنهم كانوا في ابتداء الحال قد نهوا عن ذلك كما ثبت في صحيح مسلم خشية أن يختلط بعض ذلك بالقرآن العظيم، وثانيهما: لسعة حفظهم وسيلان أذهانهم ولأن أكثرهم كانوا لا يعرفون الكتابة، ثم حدث في أواخر عصر التابعين تدوين الآثار وتبويب الأخبار لما انتشر العلماء في الأمصار وكثر الابتداع من الخوارج والروافض ومنكري الأقدار واتسع الخرق على الراقع وكاد أن يلتبس الباطل بالحق، فأول من جمع في ذلك الربيع بن صبيح وسعيد ابن أبي عروبة وغيرهما وكانوا يصنفون كل باب على حده إلى أن قام كبار أهل الطبقة الثانية في منتصف القرن الثاني فدونوا الأحكام فصنف الإمام مالك الموطأ بالمدينة وتوخى فيه القوي من حديث
صفحة ٦
أهل الحجاز ومزجه بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين ومن بعدهم أول من صنف الحديث بمكة ابن جريج وصنف أبو محمد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج بمكة وأبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي بالشام وأبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري بالكوفة وأبو سلمة حماد بن سلمة بن دينار بالبصرة، ابتداء تدوين المسانيد على رأس المائتين، ثم تلاهم كثير من أهل عصرهم في النسج على منوالهم إلى أن رأى بعض الأئمة منهم أن يفرد حديث النبي صلى الله عليه وسلم خاصة وذلك على رأس المائتين، فصنف عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي مسندا وصنف مسدد بن مسرهد البصري مسندا وصنف أسد بن موسى الأموي مسندا وصنف نعيم بن حماد الخزاعي نزيل مصر مسندا ثم اقتفى الأئمة بعد ذلك أثرهم فقل إمام من الحفاظ إلا وصنف حديثه على المسانيد كالإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وعثمان بن أبي شيبة وغيرهم من النبلاء، ومنهم من صنف على الأبواب والمسانيد معا كأبي بكر بن أبي شيبة اه.
وعبارته في إرشاد الساري قال: منهم من رتب على المسانيد كالإمام أحمد بن حنبل واسحاق بن راهويه وأبي بكر ابن أبي شيبة وأحمد بن منيع وأبي خيثمة والحسن بن سفيان وأبي بكر البزار وغيرهم، ومنهم من رتب على العلل، بأن يجمع في كل متن طرقه واختلاف الرواة فيه بحيث يتضح إرسال ما يكون متصلا أو وقف ما يكون مرفوعا أو غير ذلك، ومنهم من رتب على الأبواب الفقهية وغيرها ونوعه أنواعا وجمع ما ورد في كل نوع
صفحة ٧
وفي كل حكم إثباتا ونفيا في باب فباب بحيث يتميز ما يدخل في الصوم مثلا عما يتعلق بالصلاة
وأهل هذه الطريقة منهم من تقيد بالصحيح كالشيخين وغيرهما ومنهم من لم يتقيد بذلك كباقي الكتب الستة وكان أول من صنف في الصحيح محمد بن إسماعيل البخاري ومنهم المقتصر على الأحاديث المتضمنة للترغيب والترهيب ومنهم من حذف الإسناد واقتصر على المتن فقط كالبغوي في مصابيحه واللؤلؤي في مشكاته اه.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في شرحه لألفية المصطلح للعراقي: أول من صنف مطلقا ابن جريج بمكة ومالك وابن أبي ذئب بالمدينة، والأوزاعي بالشام والثوري بالكوفة وسعيد ابن أبي عروبة والربيع بن صبيح وحماد بن سلمة بالبصرة، أول من صنف الحديث باليمن ومعمر بن راشد وخالد بن جميل باليمن وجرير بن عبد الحميد بالري وابن المبارك بخراسان وهؤلاء في عصر واحد فلا يدرى أيهم سبق ذكره شيخنا يعني ابن حجر كالناظم يعني العراقي اه، وذكر غيره من جملة هؤلاء أيضا هشيم بن بشير الواسطي بواسط.
وقال الأبي1 في شرح مسلم: قال مكي في القوت كره كتبه يعني الحديث الطبقة الأولى من التابعين خوف أن يشتغل به عن القرآن فكانوا يقولون: احفظوا كما كنا نحفظ، وأجاز ذلك من بعدهم وما حدث التصنيف
صفحة ٨
إلا بعد موت الحسن وابن المسيب وغيرهما من كبار التابعين فأول تأليف وضع كتاب ابن جريج وضعه بمكة في الآثار وشيء من التفسير عن عطاء ومجاهد وغيرهما من أصحاب ابن عباس ثم كتاب معمر بن راشد اليماني باليمن فيه سنن ثم الموطأ ثم جامع سفيان الثوري وجامع سفيان بن عيينة في السنن والآثار وشيء من التفسير فهذه الخمسة أول شيء وضع في الإسلام اه.
وقال في تبييض الصحيفة: قال بعض من جمع مسند أبي حنيفة من مناقب أبي حنيفة التي انفرد بها أنه أول من دون علم الشريعة ورتبه أبوابا ثم تابعه مالك بن أنس في ترتيب الموطأ ولم يسبق أبا حنيفة أحد اه.
وقال في تدريب الراوي: أول من جمع ذلك يعني الآثار ابن جريج بمكة وابن إسحاق أو مالك بالمدينة أول من صنف الحديث بالبصرة والربيع بن صبيح أو سعيد ابن أبي عروبة أو حماد بن سلمة بالبصرة وسفيان الثوري بالكوفة والأوزاعي بالشام وهشيم بواسط ومعمر باليمن وجرير بن عبد الحميد بالري وابن المبارك بخراسا قال العراقي وابن حجر: وكان هؤلاء في عصر واحد فلا ندري أيهم سبق وقد صنف ابن أبي ذئب بالمدينة موطأ أكبر من موطأ مالك حتى قيل لمالك: ما الفائدة في تصنيفك، فقال: ما كان لله بقي جمع الحديث سبق إليه الشعبي قال شيخ الإسلام يعني ابن حجر: وهذا بالنسبة إلى الجمع بالأبواب أما جمع حديث إلى
صفحة ٩
مثله في باب واحد فقد سبق إليه الشعبي فإنه روي عنه أنه قال: هذا باب من الطلاق جسيم وساق فيه أحاديث ثم تلا المذكورين كثير من أهل عصرهم إلى أن رأى بعض الأئمة أن تفرد أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم - خاصة وذلك على رأس المائتين ثم ذكر بقية كلام شيخ الإسلام الذي تقدم لنا عنه
ثم قال: قلت وهؤلاء المذكورون في أول من جمع كلهم في أثناء المائة الثانية ابتداء تدوين الحديث وقع على رأس المائة في خلافة عمر بن عبد العزيز وأما ابتداء تدوين الحديث فإنه وقع على رأس المائة في خلافة عمر بن عبد العزيز بأمره اه المراد منه وبالجملة فتدوين الحديث والعلوم النافعة لديه إنما حدث بعد الصدر الأول المرجوع إليه ثم كثرت بعد ذلك فيه التصانيف وانتشرت في أنواعه وفنونه التآليف حتى أربت على العد وارتقت من كثرتها عن التفصيل والحد وهي مراتب متفاوتة وأنواع مختلفة.
ما ينبغي لطالب الحديث البداية به:
وهو أمهات الكتب الحديثية وأصولها وأشهرها وهي ستة: صحيح الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن المغيرة بن بردزبه البخاري بلدا نسبة إلى بخارى بالقصر أعظم مدينة وراء النهر بينها وبين سمرقند مسافة ثمانية أيام الجعفي ولاء لأن جده المغيرة أسلم على يد اليمان بن أخنس الجعفي والي بخارى الفارسي نسبا من أبناء فارس المتوفى بخرتنك قرية بظاهر سمرقند على ثلاث فراسخ منها وقيل: على فرسخين سنة ست وخمسين ومائتين وهو
صفحة ١٠
أصح كتاب بين أظهرنا بعد كتاب الله.
وصحيح أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري نسبة إلى بني قشير قبيلة معروفة من قبائل العرب النيسابوري نسبة إلى نيسابور مدينة مشهورة بخراسان من أحسن مدنها وأجمعها للعلم والخير المتوفى بها سنة إحدى وستين ومائتين.
وسنن أبي داود سليمان بن الأشعث الأزدي نسبة إلى الأزد أبي قبيلة باليمن السجستاني نسبة إلى سجستان وينسب إليها سجزي أيضا على غير قياس مدينة بخراسان المتوفى بالبصرة سنة خمس وسبعين ومائتين قيل: وهو أول من صنف في السنن وفيه نظر يتبين مما يأتي.
وجامع أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك السلمي بضم السين خلافا لمن قال بفتحها نسبة إلى بني سليم قبيلة معروفة الترمذي نسبة إلى ترمذ مدينة قديمة على طرف نهر بلخ المسمى بجيحون الضرير المتوفى بترمذ أو ببوغ وهي قرية من قرى ترمذ على ستة فراسخ منها سنة تسع وقيل: سنة خمس وسبعين ومائتين ويسمى: بالسنن أيضا خلافا لمن ظن أنهما كتابان وبالجامع الكبير.
وسنن أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر النسائي نسبة إلى نسا مدينة بخراسان وقيل: كورة من كور نيسابور والقياس
صفحة ١١
نسوي المتوفى بالرملة بمدينة فلسطين من أرض الشام ودفن بها وقيل: حمل إلى مكة فدفن فيها بين الصفا والمروة وقيل: إنه توفي بمكة ودفن بها سنة ثلاث وثلاثمائة، وهو آخر الخمسة المذكورين وفاة وأطولهم سنا والمراد بها الصغرى فهي المعدودة من الأمهات وهي التي خرج الناس عليها الأطراف والرجال دون الكبرى خلافا لمن قال أنها المرادة.
وسنن أبي عبد الله محمد بن يزيد المعروف بابن ماجة وهو لقب أبيه لا جده ولا أنه اسم أمه خلافا لمن زعم ذلك وهاؤه ساكنة وصلا ووقفا لأنه اسم أعجمي الربعي نسبة إلى ربيعة مولاهم القزويني نسبة إلى قزوين مدينة مشهورة بعراق العجم المتوفى بقزوين سنة ثلاث أو خمس وسبعين ومائتين وهي التي كملت بها الكتب الستة والسنن الأربعة بعد الصحيحين واعتنى بأطرافها الحافظ ابن عساكر ثم المزي مع رجالها ولم يذكر ابن الصلاح والنووي وفاته كما لم يذكرا كتابه في الأصول بل جعلاها خمسة فقط تبعا لمتقدمي أهل الأثر وكثير من محققي متأخريهم ولما رأى بعضهم كتابه كتابا مفيدا قوي النفع في الفقه ورأى من كثرة زوائده على الموطأ أدرجه على ما فيه في الأصول وجعلها ستة وأول من أضافه إلى الخمسة مكملا به الستة أبو الفضل محمد بن طاهر بن علي المقدسي في أطراف الكتب الستة له وكذا في شروط الأئمة الستة له ثم الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد
صفحة ١٢
بن علي بن سرور المقدسي في الكمال في أسماء الرجال أي: رجال الكتب الستة الذي هذبه الحافظ جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي بكسر الميم وتشديد الزاي المكسورة نسبة إلى المزة قرية بدمشق فتبعهما على ذلك أصحاب الأطراف والرجال والناس ومنهم من جعل السادس الموطأ كرزين بن معاوية العبدري في التجريد وأثير الدين أبي السعادات المبارك بن محمد المعروف بابن الأثير الجزري الشافعي في جامع الأصول وقال قوم من الحفاظ منهم ابن الصلاح والنووي وصلاح الدين العلائي والحافظ ابن حجر: لو جعل مسند الدارمي سادسا كان أولى ومنهم من جعل الأصول سبعة فعد منها زيادة على الخمسة كلا من الموطأ وابن ماجة ومنهم من أسقط الموطأ وجعل بدله سنن الدارمي والله أعلم.
ومنها كتب الأئمة الأربعة أرباب المذاهب المتبوعة
وهي موطأ نجم الهدى إمام الأئمة عالم المدينة أبي عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي نسبة إلى ذي أصبح من ملوك اليمن المدني المتوفى بها سنة تسع وسبعين ومائة وهي في الرتبة بعد مسلم على ما هو الأصح ويذكر أن جميع مسائلها ثلاثة آلاف مسألة وأحاديثها سبعمائة حديث وعن مؤلفها فيها روايات كثيرة أشهرها وأحسنها: رواية يحيى بن كثير الليثي الأندلسي وإذا أطلق في هذه الأعصار موطأ
صفحة ١٣
مالك فإنما ينصرف لها وأكبرها رواية: عبد الله بن مسلمة القعنبي ومن أكبرها وأكثرها: زيادات رواية أبي مصعب أحمد بن أبي بكر القرشي الزهري قاضي المدينة ومن جملتها رواية محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة وفي موطئه أحاديث يسيرة يرويها عن غير مالك وأخرى زائدة على الروايات المشهورة وهي أيضا خالية عن عدة أحاديث ثابتة في سائر الروايات.
ولأبي الحسن علي بن محمد بن خلف المعافري القروي القابسي نسبة إلى قابس مدينة بإفريقية بالقرب من المهدية المالكي الضرير المتوفى بالقيروان سنة ثلاث وأربعمائة كتاب الملخص بكسر الخاء كما ذكره صاحب1 تثقيف2 اللسان وكذلك سماه صاحبه وتجوز قرائته بفتحها وبالوجهين ذكره عياض في فهرسته جمع فيه ما اتصل إسناده من حديث مالك في الموطأ رواية عبد الرحمن بن القاسم المصري قال أبو عمرو الداني: وهو خمسمائة حديث وعشرون حديثا وقال غيره: هو على صغر حجمه جيد فيه بابه.
وشرع في شرحه شهاب الدين القاضي أبو عبد الله محمد بن أحمد بن الخليل بن سعادة بن جعفر بن عيسى الخويي نسبة إلى خوي بلفظ التصغير
صفحة ١٤
لخو بلد مشهور من أعمال أذربيجان الشافعي الدمشقي فشرح منه خمسة عشر حديثا في مجلد واخترمته المنية فمات سنة ثلاث وتسعين وستمائة.
ولأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي المالكي حافظ المغرب بل والمشرق الشهير المتوفى: بشاطبة من بلاد الأندلس سنة ثلاث وستين وأربعمائة كتاب التقصي1 جمع فيه ما في الموطأ من الأحاديث المرفوعة موصولة كانت أو منقطعة مرتبة على شيوخ مالك وله أيضا كتاب في وصل ما فيها من المرسل والمنقطع والمعضل قال: وجميع مافيها من قوله بلغني ومن قوله عن الثقة عنده مما لم يسنده أحد وستون حديثا كلها مسندة من غير طريق مالك إلا أربعة لا تعرف ثم ذكرها قال الشيخ صالح الفلاني: وقد رأيت لابن الصلاح تأليفا وصل هذه الأربعة فيه بأسانيده.
ولأبي محمد عبد الله بن محمد بن فرحون اليعمري التونسي الأصل المدني المولد والمنشأ المالكي المتوفى: سنة تسع وستين وسبعمائة الدر المخلص من التقصي والملخص جمع فيه أحاديث الكتابين المذكورين وشرحه بشرح عظيم الفائدة في أربع مجلدات سماه: كشف الغطا في شرح مختصر الموطأ.
صفحة ١٥
ولأبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد الغافقي الجوهري المصري المالكي المتوفى سنة خمس وثمانين وثلاثمائة كتاب مسند الموطأ وكتاب مسند ما ليس بالموطأ ذكره في الديباج.
ومسند إمام الأئمة أيضا ركن الإسلام أبي حنيفة النعمان بن ثابت الفارسي الكوفي فقيه العراق المتوفى: ببغداد سنة خمسين أو إحدى وخمسين ومائة وله خمسة عشر مسندا وأوصلها الإمام أبو الصبر أيوب الخلوتي في ثبته إلى سبعة عشر مسندا كلها تنسب إليه لكونها من حديثه وإن لم تكن من تأليفه.
وقد جمع بين خمسة عشر منها أبو المؤيد محمد بن محمود بن محمد بن الحسن الخطيب الخوارزمي نسبة إلى خوارزم بضم الخاء وكسر الراء ناحية معلومة المتوفى: سنه خمس وخمسين وستمائة1 في كتاب سماه جامع المسانيد رتبه على ترتيب أبواب الفقه بحذف المعاد وترك تكرير الإسناد.
واعتبر بعضهم منها ما خرجه أبو محمد عبد الله بن محمد بن يعقوب بن الحارث بن خليل الكلاباذي الحارثي السبذموني نسبة إلى سبذمون قرية من قرى بخارى على نصف فرسخ المعروف: بعبد الله الأستاذ المتوفى: سنة أربعين وثلاثمائة.
صفحة ١٦
والذي اعتبره الحافظ ابن حجر في كتابه تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأربعة هو ما خرجه الإمام الزكي الحافظ أبو عبد الله الحسين بن محمد بن خسرو بضم الخاء وسكون المهملة البلخي المتوفى: سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة.
ومسند عالم قريش ومجدد الدين على رأس المائتين أحد أقطاب الدنيا وأوتادها أبي عبد الله محمد بن إدريس بن عباس بن عثمان بن شافع الشافعي القرشي المطلبي المكي نزيل مصر المتوفى بها: سنة أربع ومائتين وليس هو من تصنيفه أيضا وإنما هو عبارة عن الأحاديث التي أسندها مرفوعها موقوفها ووقعت في مسموع أبي العباس محمد بن يعقوب بن يوسف بن معقل بن سنان الأصم الأموي مولاهم المعقلي النيسابوري عن الربيع بن سليمان بن عبد الجبار بن كامل المرادي مولاهم المؤذن المصري صاحب الشافعي وراوية كتبه من كتابي الأم والمبسوط للشافعي إلا أربعة أحاديث رواها الربيع عن البويطي عن الشافعي التقطها بعض النيسابوريين وهو أبو عمرو محمد بن جعفر بن محمد بن مطر المطري العدل النيسابوري الحافظ من شيوخ الحاكم من الأبواب لأبي العباس الأصم المذكور لحصول الرواية له بها عن الربيع وقيل جمعها1 الأصم لنفسه فسمى ذلك مسند الشافعي ولم يرتبه فلذا وقع
صفحة ١٧
التكرار فيه في غير ما موضع انظر فهرست الأمير وشرح الإحياء في كتاب آداب الأخوة والصحبة ووفاة الربيع هذا سنة سبعين ومائتين وأبي العباس الأصم سنة ست وأربعين وثلاثمائة وأبي عمرو المطري سنة ستين وثلاثمائة.
ومسند الإمام الأوحد محي السنة أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني المروزي ثم البغدادي المتوفى: سنة إحدى وأربعين ومائتين وكان يحفظ ألف ألف حديث ومسنده هذا يشتمل على ثمانية عشر مسندا:
أولها: مسند العشرة وما معه وفيه من زيادات ولده عبد الله ويسير من زيادات أبي بكر القطيعي الراوي عن عبد الله وقد اشتهر عند كثير من الناس أنه أربعون ألف حديث قال أبو موسى المديني: لم أزل أسمع ذلك من الناس حتى قرأته على أبي منصور بن رزيق اه، وكذا صرح بذلك الحافظ شمس الدين محمد بن علي الحسيني في التذكرة فقال: عدة أحاديثه أربعون ألفا بالمكرر وقال ابن المنادي: أنه ثلاثون ألفا والاعتماد على قوله دون غيره وقد انتقاه من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألف حديث ولم يدخل فيه إلا ما يحتج به عنده وتفضيل ابن الصلاح كتب السنن عليه منتقد وبالغ بعضهم فأطلق عليه اسم الصحة والحق أن فيه أحاديث كثيرة ضعيفة وبعضها أشد في الضعف من بعض حتى أن ابن الجوزي أدخل كثيرا منها
صفحة ١٨
في موضوعاته ولكن تعقبه في بعضها الحافظ أبو الفضل العراقي وفي سائرها الحافظ ابن حجر في القول المسدد في الذب عن مسند أحمد والسيوطي في ذيله المسمى: بالذيل الممهد على القول المسدد وحقق الأول منهما نفي الوضع عن جميع أحاديثه وأنه أحسن انتقاء وتحريرا من الكتب التي لم تلتزم الصحة في جمعها قال: وليست الأحاديث الزائدة فيه على ما في الصحيحين بأكثر ضعفا من الأحاديث الزائدة في سنن أبي داود والترمذي عليهما وقال غيره: ما ضعف من أحاديثه أحسن حالا مما يصححه كثير من المتأخرين وقد رتبه على الأبواب بعض الحفاظ الأصبهانيين وكذا الحافظ ناصر الدين ابن رزيق وكذا بعض من تأخر عنه ورتبه على حروف المعجم في أسماء المقلين الحافظ أبو بكر بن المحب.
ولولده أبي عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل البغدادي الحافظ المتوفى سنة تسعين ومائتين كتاب في زوائد مسنده هذا وهو نحو من ربعه في الحجم قيل: أنه مشتمل على عشر آلاف حديث وله أيضا زوائد كتاب الزهد لأبيه وللإمام الحافظ أبي بكر محمد بن الحافظ أبي محمد بن عبد الله المقدسي الحنبلي ترتيب مسند أحمد هذا كله على حروف المعجم فهذه هي كتب الأئمة الأربعة وبإضافتها إلى الستة الأولى تكمل الكتب العشرة التي هي أصول الإسلام وعليها مدار الدين.
صفحة ١٩
ومنها كتب التزم أهلها فيها الصحة من غير ما تقدم من الموطأ والصحيحين
منها صحيح أبي عبد الله وأبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة السلمي النيسابوري الشافعي شيخ ابن حبان المتوفى: سنة إحدى عشرة وثلاثمائة ويعرف عند المحدثين بإمام الأئمة.
وصحيح أبي حاتم محمد بن حبان بن أحمد بن معاذ التميمي الدارمي البستي بضم الموحدة وإسكان السين وفوقية نسبة إلى بست بلد كبير من بلاد الغور بطرف خراسان الشافعي أحد الحفاظ الكبار صاحب التصانيف العديدة المتوفى: ببست سنة أربع وخمسين وثلاثمائة وهو المسمى: بالتقاسيم والأنواع في خمس مجلدات وترتيبه مخترع ليس على الأبواب ولا على المسانيد والكشف منه عسر جدا.
وقد رتبه بعض المتأخرين على الأبواب ترتيبا حسنا وهو الأمير علاء الدين أبو الحسن علي بن بلبان بن عبد الإله الفارسي الحنفي الفقيه النحوي المتوفى: بالقاهرة سنة تسع وثلاثين وسبعمائة وسماه: الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان كما أنه رتب معجم الطبراني الكبير على الأبواب أيضا وصحيح ابن حبان هذا موجود الآن بتمامه بخلاف صحيح ابن خزيمة فقد عدم
صفحة ٢٠