كتاب الردة
محقق
يحيى الجبوري
الناشر
دار الغرب الإسلامي
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٠ هـ - ١٩٩٠ م
مكان النشر
بيروت
[٥ ب] فِيهَا مَنْ طَمِعَ، فَانْصَرِفْ/ وَلا تُهِجْ عَلَى أَصْحَابِكَ مَا لا تَقُومُ لَهُ، قَالَ: فَانْصَرَفَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَخَبَّرُه بِمَا كَانَ مِنْ مَقَالَتِهِ لِلأَنْصَارِ، وَبِرَدِّهِمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ:
لَقَدْ كُنْتَ غَنِيًّا عَنْ هَذَا، أَنْ تَأْتِيَ قَوْمًا قَدْ بَايَعُوا وَسَكَتُوا فَتَذْكُرَ لَهُمْ مَا قَدْ مَضَى.
قَالَ: ثُمَّ أَرْسَلَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عَلِيٍّ فَدَعَاهُ، فَأَقْبَلَ وَالنَّاسُ حُضُورٌ، فَسَلَّمَ وَجَلَسَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: لِمَ دَعَوْتَنِي، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: دَعَوْنَاكَ لِلْبَيْعَةِ الَّتِي قَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا هَؤُلاءِ، إِنَّمَا أَخَذْتُمْ هَذَا الأَمْرَ مِنَ الأَنْصَارِ بِالْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، وَالْقَرَابَةِ لأَبِي بَكْرٍ ﵁، لأَنَّكُمْ زَعَمْتُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا ﵌ مِنْكُمْ، فَأَعْطُوكُمُ الْمَقَادَةَ وَسَلَّمُوا إِلَيْكُمُ الأَمْرَ، وَأَنَا أَحْتَجُّ عَلَيْكُمْ بِالَّذِي احْتَجَجْتُمْ بِهِ عَلَى الأَنْصَارِ، نَحْنُ أَوْلَى بِمُحَمَّدٍ ﵌ حَيًّا وَمَيِّتًا، لأَنَّا أَهْلُ بَيْتِهِ، وَأَقْرَبُ الْخَلْقِ إِلَيْهِ، فَإِنْ كُنْتُمْ تَخَافُونَ اللَّهَ فَانْصِفُونَا، وَاعْرِفُوا لَنَا فِي هَذَا الأَمْرِ مَا عَرَفَتْهُ لَكُمُ الأَنْصَارُ.
قَالَ: فَقَالَ لَهُ عُمَرُ ﵁: إِنَّكَ أَيُّهَا الرَّجُلُ لَسْتَ بِمَتْرُوكٍ، أَوْ تُبَايِعُ كَمَا بَايَعَ غَيْرُكَ، فَقَالَ عَلِيٌّ ﵁: إِذَنْ لا أَقْبَلُ مِنْكَ ولا أبايع من أنا أحق [با] لبيعة [١] مِنْهُ. فَقَالَ لَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ: وَاللَّهِ يَا أَبَا الْحَسَنِ إِنَّك لَحَقِيقٌ لِهَذَا الأَمْرِ لِفَضْلِكَ وَسَابِقَتِكَ وَقَرَابَتِكَ، غَيْرَ أَنَّ النَّاسَ قَدْ بَايَعُوا وَرَضُوا بِهَذَا الشَّيْخِ، فَارْضَ بِمَا رَضِيَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: يَا أَبَا عُبَيْدَةَ [٢]، أَنْتَ أَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ، فَاتَّقِ اللَّهَ فِي نَفْسِكَ، فَإِنَّ هَذَا الْيَوْمَ لَهُ مَا بَعْدَهُ مِنَ الأَيَّامِ، وَلَيْسَ يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تُخْرِجُوا سُلْطَانَ مُحَمَّدٍ ﵌ مِنْ دَارِهِ وَقَعْرِ بَيْتِهِ، إِلَى دُورِكُمْ وَقُعُورِ بُيُوتِكُمْ، فَفِي بُيُوتِنَا نَزَلَ الْقُرْآنُ، وَنَحْنُ مَعْدِنُ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ وَالدِّينِ وَالسُّنَّةِ وَالْفَرَائِضِ، وَنَحْنُ أَعْلَمُ بِأُمُورِ الْخَلْقِ مِنْكُمْ، فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى فَيَكُونَ نَصِيبُكُمُ الأَخَسَّ.
قَالَ: فَتَكَلَّمَ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَسَنِ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ هَذَا الْكَلامَ سَمِعَهُ النَّاسُ مِنْكَ قَبْلَ الْبَيْعَةِ لَمَا اخْتَلَفَ عَلَيْكَ رَجُلانِ، ولبايعك
[١] في الأصل: (أحق لبيعة) . [٢] في الأصل: (أبا عبيد) .
1 / 46