215

كتاب الردة

محقق

يحيى الجبوري

الناشر

دار الغرب الإسلامي

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٠ هـ - ١٩٩٠ م

مكان النشر

بيروت

سُوَيْدُ بْنُ قُطْبَةَ السَّدُوسِيُّ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَدْ وَافَاهُ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، فَرِحَ لِذَلِكَ وَاشْتَدَّ ظَهْرُهُ، وَقَوِيَ أَمْرُهُ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَهُ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ بَنِي عَمِّهِ، فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ: (يَا سُوَيْدُ، أَيُّ مَوْضِعٍ تَعْلَمُ أَنَّهُ أَعْظَمُ شَوْكَةً لِهَؤُلاءِ الْفُرْسِ فِي هَذِهِ النَّاحِيَةِ)، فَقَالَ: (أَصْلَحَ اللَّهُ الأَمِيرَ، مَا أَتَّقِي إِلا مِنْ أَهْلِ الأُبُلَّةِ، فَإِنَّهُمْ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ)، فَقَالَ خَالِدٌ: (لا عَلَيْكَ يَا سُوَيْدُ، فَإِنَّهُمْ عَلِمُوا بِنُزُولِي هَذَا الْبَلَدَ غَيْرَ أَنِّي رَاحِلٌ عَنْكَ إِلَى الْبَادِيَةِ فَإِذَا أَنَا رَحَلْتُ فَعَبِّئْ أَصْحَابَكَ وَسِرْ إِلَيْهِمْ وَنَابِذْهُمُ الْحَرْبَ، فَإِنَّهُمْ سَيَطْمَعُونَ فِيكَ، فَإِذَا الْتَحَمَ الأَمْرُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ فَإِنِّي رَاجِعٌ عَلَيْهِمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَلا قُوَّةَ إِلا باللَّه) .
قَالَ: ثُمَّ نَادَى خَالِدٌ فِي أَصْحَابِهِ فَرَحَلَ مِنَ الْبَصْرَةِ كَأَنَّهُ يُرِيدُ الْبَادِيَةَ، وَعَلِمَتِ الْفُرْسُ بِذَلِكَ فَطَمِعُوا فِي سُوَيْدِ بْنِ قُطْبَةَ وَعَزَمُوا عَلَى أَنْ يُصَبِّحُوهُ بِالْحَرْبِ. قَالَ: وَرَجَعَ خَالِدٌ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ رُوَيْدًا رُوَيْدًا حَتَّى صَارَ إِلَى سُوَيْدٍ، فَكَمُنَ أَصْحَابُهُ بَيْنَ النَّخِيلِ، وَالْفُرْسُ لا تَعْلَمُ بِذَلِكَ.
فَلَمَّا أَصْبَحَ سُوَيْدٌ عَبَّأَ أَصْحَابَهُ فَسَارَ نَحْوَ الأُبُلَّةِ، وَعَلِمَ الْفُرْسُ بِذَلِكَ فَخَرَجُوا إِلَيْهِ كَمَا كَانُوا يَخْرُجُونَ مِنْ قَبْلُ، فَلَمَّا اخْتَلَطَ الْقَوْمُ واشتبك [- ت] الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ، خَرَجَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَنَظَرَتِ الْفُرْسُ إِلَى الْخَيْلِ قَدْ خَرَجَتْ عَلَيْهِمْ، فَوَلَّوُا الأَدْبَارَ، فَأَخَذَتْهُمُ السُّيُوفُ، فَقُتِلَ منهم زيادة على أربعة ألف، وَغَرِقَ فِي الأَنْهَارِ مِنْهُمْ مِثْلُ ذَلِكَ، وَفَرَّ الْبَاقُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ مَفْلُوتِينَ قَدْ قَطَعَ اللَّهُ دَابِرَهُمْ وَأَلْقَى الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ.
قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ خَالِدٌ إِلَى سُوَيْدِ بْنِ قُطْبَةَ فَقَالَ لَهُ: (أَبْشِرْ يَا سُوَيْدُ، فَإِنَّا قَدْ عَرَكْنَاهُمْ عَرْكَةً لا يَزَالُونَ [١] هَائِبِينَ وَمِنْكَ خَائِفِينَ مَا أَقَمْتَ بِهَذَا الْبَلَدِ) .
قَالَ: وَسَارَ خَالِدٌ مِنَ الْبَصْرَةِ يُرِيدُ الْكُوفَةَ، فَأَخَذَ عَلَى جَادَةِ مَكَّةَ، فَصَارَ إِلَى الْحقَّيْنِ ثُمَّ إِلَى الدُّجَيْلِ، ثُمَّ إلى الشّجا والخرجاء [٢] ..............

[١] في الأصل: (لا يزالوا) .
[٢] الخرجاء: ماءة احتفرها جعفر بن سليمان قريبا من الشجى، بين البصرة وحفر أبي موسى في طريق الحاج من البصرة. (ياقوت: الخرجاء) .

1 / 222