193

كتاب الردة

محقق

يحيى الجبوري

الناشر

دار الغرب الإسلامي

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٠ هـ - ١٩٩٠ م

مكان النشر

بيروت

أَسِيرًا، وَسِرْ إِلَى زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَفْتَحَ عَلَى يَدَيْكَ بِلادَ حَضْرَمَوْتَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلا قُوَّةَ إِلا باللَّه الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ) .
قَالَ: فَلَمَّا وَرَدَ الْكِتَابُ عَلَى عِكْرِمَةَ، سَارَ بِأَصْحَابِهِ إِلَى دُبَا، قَالَ: وَدَنَا الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ فَاقْتَتَلُوا، وَرَزَقَ اللَّهُ الظَّفَرَ لِعِكْرِمَةَ فَهَزَمُوهُمْ، حَتَّى بَلَغَ بِهِمْ إِلَى أَدْنَى بِلادِهِمْ، وَقَتَلَ مِنْهُمْ زُهَاءً عَنْ مِائَةِ رَجُلٍ، ثُمَّ سَارَ إِلَيْهِمْ عِكْرِمَةُ يُرِيدُ قِتَالَهُمْ ثَانِيَةً، وَدَخَلَ الْقَوْمُ مَدِينَتَهُمْ فَتَحَصَّنُوا بِهَا، وَنَزَلَ بِهِمْ عِكْرِمَةُ وَحَاصَرَهُمْ وَضَيَّقَ عَلَيْهِمْ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْحِصَارُ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا اعْتَادُوا لِذَلِكَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى عَامِلِهِمْ حُذَيْفَةَ بْنِ عَمْرٍو، وَيَسْأَلُونَهُ الصُّلْحَ عَلَى أَنَّهُمْ يُؤَدُّونَ الزَّكَاةَ وَيَرْجِعُونَ إِلَى مَحَبَّتِهِ، وَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ عِكْرِمَةُ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ عَامِلُهُمْ: (أَنَّهُ لا صُلْحَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، إِلا عَلَى الإِقْرَارِ مِنْكُمْ أَنَّا عَلَى الْحَقِّ وَأَنْتُمْ عَلَى بَاطِلٍ، وَأَنَّ قَتِيلَنَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتِيلَكُمْ فِي النَّارِ، وَعَلَى أَنَّا نَحْكُمُ فِيكُمْ بِمَا رَأَيْنَا) .
قَالَ: فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ: أَنِ اخْرُجُوا الآنَ عَنْ مَدِينَتِكُمْ بِلا سِلاحٍ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ، وَدَخَلَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى حِصْنِهِمْ، فَقَتَلُوا أَشْرَافَهُمْ، وَسَبَوْا نِسَاءَهُمْ وَأَوْلادَهُمْ، وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، وَوَجَّهَ بِرِجَالِهِمْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَهُمْ ثَلاثُ مِائَةِ رَجُلٍ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ، وَأَرْبَعُ مِائَةٍ مِنَ النِّسَاءِ وَالذَّرَارِيِّ، فَهَمَّ أَبُو بَكْرٍ بِقَتْلِ رِجَالِهِمْ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ﵁: (إِنَّ الْقَوْمَ عَلَى دِينِ الإِسْلامِ، لأَنِّي أَجِدُهُمْ يَحْلِفُونَ باللَّه مُجْتَهِدِينَ مَا رَجَعُوا عَنْ دِينِ الإِسْلامِ، وَلَكِنْ شَحُّوا عَلَى أَمْوَالِهِمْ، وَقَدْ كَانَ مِنْهُمْ مَا كَانَ فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ، وَاحْبِسْهُمْ عِنْدَكَ إِلَى أَنْ تَرَى فِيهِمْ رَأْيَكَ) .
قَالَ: فَأَمَرَ بِحَبْسِهِمْ، فَحُبِسُوا فِي دَارِ رَمْلَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ [١] فَلَمْ يَزَالُوا هُنَاكَ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ ﵁، فَدَعَاهُمْ عُمَرُ، ثُمَّ قال لهم: ([إنكم تعرفون

[١] رملة بنت الحارث بن ثعلبة بن الحارث بن زيد الأنصارية النجارية، من المبايعات، ذكر ابن إسحق في السيرة أن بني قريظة لما حكم فيهم سعد بن معاذ حبسوا في دار رملة بنت الحارث، وهي زوجة معاذ بن الحارث بن رفاعة. (الإصابة ٧/ ٦٥١) .

1 / 200