الروضتين في أخبار الدولتين النورية و الصلاحية

أبو شامة ت. 665 هجري
23

الروضتين في أخبار الدولتين النورية و الصلاحية

محقق

إبراهيم الزيبق

الناشر

مؤسسة الرسالة

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٨ هـ/ ١٩٩٧ م

مكان النشر

بيروت

الْملك واقتنوا الْأَمْلَاك وَأَكْثرُوا وتعدى كل وَاحِد مِنْهُم على من يجاوره فِي قَرْيَة أَو غَيرهَا فكثرت الشكاوى إِلَى كَمَال الدّين فأنصف بَعضهم من بعض وَلم يقدم على الْإِنْصَاف من أَسد الدّين شيركوه فأنهى الْحَال إِلَى نور الدّين فَأمر حِينَئِذٍ ببَناء دَار الْعدْل فَلَمَّا سمع أَسد الدّين بذلك أحضر نوابه جَمِيعهم وَقَالَ لَهُم اعلموا أَن نور الدّين مَا أَمر بِبِنَاء هَذِه الدَّار إِلَّا بسببي وحدي وَإِلَّا فَمن هُوَ الَّذِي يتمنع على كَمَال الدّين وَوَاللَّه لَئِن أحضرت إِلَى دَار الْعدْل بِسَبَب أحدكُم لأصلبنه فامضوا إِلَى كل من بَيْنكُم وَبَينه مُنَازعَة فِي ملك فَافْصِلُوا الْحَال مَعَه وأرضوه بِأَيّ طَرِيق أمكن وَلَو أَتَى ذَلِك على جَمِيع مَا بيَدي فَقَالُوا لَهُ إِن النَّاس إِذا علمُوا هَذَا اشتطوا فِي الطّلب فَقَالَ خُرُوج أملاكي عَن يَدي أسهل على من أَن يراني نور الدّين بِعَين أَنِّي ظَالِم أَو يساوى بيني وَبَين آحَاد الْعَامَّة فِي الْحُكُومَة فَخرج أَصْحَابه من عِنْده وفعلوا مَا أَمرهم وأرضوا خصماءهم وَأشْهدُوا عَلَيْهِم فَلَمَّا فرغت دَار الْعدْل جلس نور الدّين فِيهَا لفصل الحكومات وَكَانَ يجلس فِي الْأُسْبُوع يَوْمَيْنِ وَعِنْده القَاضِي وَالْفُقَهَاء وبقى كَذَلِك مُدَّة فَلم يحضر عِنْده أحد يشكو من أَسد الدّين فَقَالَ نور الدّين لكَمَال الدّين مَا أرى أحدا يشكو من شيركوه فَعرفهُ الْحَال فَسجدَ شكرا لله تَعَالَى وَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي أَصْحَابنَا ينصفون من أنفسهم قبل حضورهم عندنَا قَالَ ابْن الْأَثِير فَانْظُر إِلَى هَذِه المعدلة مَا أحْسنهَا وَإِلَى هَذِه الهيبة مَا أعظمها وَإِلَى هَذِه السياسة مَا أسدها هَذَا مَعَ أَنه كَانَ لَا يريق دَمًا وَلَا يُبَالغ فِي عُقُوبَة وَإِنَّمَا كَانَ يفعل هَذَا صدقه فِي عدله وَحسن نِيَّته قَالَ وَأما شجاعته وَحسن رَأْيه فقد كَانَت النِّهَايَة إِلَيْهِ فيهمَا فَإِنَّهُ أَصْبِر

1 / 42