وفي العشر الأوسط من جمادى الآخرة حصل الظفر بجاسوسين للتتار، وذلك لكثرة احتفال السلطان بحديث القصاد، وتر تیب ألحامكيات والجرايات لهم. وكان قد سير قصادة إلى جهة هولاكو، فأقاموا بالأردو ، وطالعوا بأن هلاون جهز قاصدين، وعينوا أسماءهم، فلما حضروا إلى سيس طالع أرباب الأخبار بصفاتهم، وقيل لهم أن الطرقات محفوظة، فأتوا إلى عكا، فطالع بهم أرباب الأخبار في عكا، وركبوا في البحر إلى جهة دمياط، والدنيا قد حفظت عليهم، فلما وصلوا أحضروا سريعة إلى السلطان، فسألهم وأعطاهم الاماير، فأقر وا، ووجدت معهم فرامين للأتابك من هولاكو، وهو يرغبه، ويستميله، اعتقادا منه أن هذه الأمور يفسد بها نظام، أو أن السلطان إذا وقع له ذلك لا يتثبت، أو أنه يتوهم في أكبر خواصه أو أن الأتابك يميل إلى هذا الهذيان، ففطن السلطان إلى هذه المكيدة، وطلب الأتابك في الساعة الراهنة، وأفهمه أنها حيلة، وأراه الكتاب، وقال له : « اني ما صدقت شيئا من هذا فيك ». ورسم بتخريق ذلك وتمزيقه. واستدل السلطان بذلك على ضعف هولاكو، وأنه يتشبث بكل شيء ، وهذه همة عالية ما سمع أن ملكة اهتم بهذه الهمة، ولا بذل في أغراضه الجميلة هذه النعمة.
وفي هذا الشهر من هذه السنة تنجز البرج الذي كان السلطان رسم بعمله في قارا، وشرع في بناء برج أكبر منه لمصلحة الإسلام، وحفظ الطرقات، وصونا للرعية من عوادي الفرنج المجاورین.
ذكر قصد متملك الأرمن البلاد مرة أخرى، وتخييب سعيه
في هذه السنة اهتم متملك الأرمن هيتوم، وجمع العساكر المخذولة من كل جهة، وفصل ألف قباء تتري، وألف سراقوج ألبسها أصحابه ليرهب أنهم نجدة من التتار، فسير السلطان إلى دمشق جرد منها عسكرة إلى حمص، وجرد جماعة من حماة، ورسم بأن عر بان الشام لا يخرجون البرية في تلك السنة، فتوجه الأمير حسام الدين العين تابي، فأغار على مرزبان، وقتل وأسر، وعاد سالمة، وتوالت الغارات من جميع الجهات. فلما أحس العدو بهذه العزائم جر خيول الهزائم، وتفرقت نجداته، وخمدت جمراته، وبقي خائفة متر قبة، وعدلت العساكر إلى انطاكية، فغنمت وقتلت وأسرت.
صفحة ١٩٦