186

الروض الأنف في شرح السيرة النبوية

الناشر

دار إحياء التراث العربي

الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٢ هـ

مكان النشر

بيروت

مناطق
المغرب
الامبراطوريات
المرابطون
إلّا خَرَجَ مِنْهَا إلَى قَرْيَةٍ لَا يُعْرَفُ بِهَا، وَكَانَ لَا يَأْكُلُ إلّا مِنْ كَسْبِ يَدَيْهِ.
وَكَانَ بَنّاءً يَعْمَلُ الطّينَ، وَكَانَ يُعَظّمُ الْأَحَدَ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْأَحَدِ لَمْ يَعْمَلْ فِيهِ شَيْئًا، وَخَرَجَ إلَى فَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ يُصَلّي بِهَا حَتّى يُمْسِيَ. قَالَ: وَكَانَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الشّامِ يَعْمَلُ عَمَلَهُ ذَلِكَ مُسْتَخْفِيًا، فَفَطِنَ لِشَأْنِهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِهَا يُقَالُ لَهُ:
صَالِحٌ، فَأَحَبّهُ صَالِحٌ حُبّا لَمْ يُحِبّهُ شَيْئًا كَانَ قَبْلَهُ. فَكَانَ يَتْبَعُهُ حَيْثُ ذَهَبَ.
وَلَا يَفْطِنُ لَهُ فَيْمِيُون، حَتّى خَرَجَ مَرّةً فِي يَوْمِ الْأَحَدِ إلَى فَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ.
كَمَا كَانَ يَصْنَعُ، وَقَدْ اتّبَعَهُ صَالِحٌ وفَيْمِيون لَا يَدْرِي- فَجَلَسَ صَالِحٌ مِنْهُ مَنْظَرَ الْعَيْنِ مُسْتَخْفِيًا مِنْهُ. لَا يُحِبّ أَنْ يَعْلَمَ بِمَكَانِهِ، وَقَامَ فَيْمِيُون يُصَلّي، فَبَيْنَمَا هُوَ يُصَلّي إذْ أَقْبَلَ نَحْوَهُ التّنّينُ- الْحَيّةُ ذَاتُ الرّءُوسِ السّبْعَةِ- فَلَمّا رَآهَا فَيْمِيُون دَعَا عَلَيْهَا فَمَاتَتْ، وَرَآهَا صَالِحٌ وَلَمْ يَدْرِ مَا أَصَابَهَا، فَخَافَهَا عَلَيْهِ. فعيل عوله.
ــ
(حَدِيثُ فَيُمْؤُنّ) وَيُذْكَرُ عَنْ الطّبَرِيّ أَنّهُ قَالَ فِيهِ: قيمؤن بِالْقَافِ، وَشَكّ فِيهِ، وَقَالَ الْقُتَبِيّ فِيهِ: رَجُلٌ مِنْ آلِ جَفْنَةَ مِنْ غَسّانَ جَاءَهُمْ مِنْ الشّامِ، فَحَمَلَهُمْ عَلَى دِينِ عِيسَى- ﵇ وَلَمْ يُسَمّهِ، وَقَالَ فِيهِ النّقّاشُ: اسْمُهُ: يَحْيَى، وَكَانَ أَبُوهُ مَلِكًا فَتُوُفّيَ، وَأَرَادَ قَوْمَهُ أَنْ يُمَلّكُوهُ بَعْدَ أَبِيهِ، فَفَرّ مِنْ الْمُلْكِ، وَلَزِمَ السّيَاحَةَ «١»، وَذَكَرَ الطّبَرِيّ قِصّةَ الرّجُلِ الّذِي دَعَا لِابْنِهِ، فَشُفِيَ بِأَتَمّ مِمّا ذَكَرَهَا ابن إسحق، قَالَ: فَيُمْؤُنّ حِينَ دَخَلَ مَعَ الرّجُلِ، وَكَشَفَ لَهُ عَنْ ابْنِهِ: «اللهُمّ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِك دَخَلَ عَلَيْهِ عَدُوّك فِي نِعْمَتِك، لِيُفْسِدَهَا عَلَيْهِ، فاشفه وعافه وامنعه منه»، فقام

(١) فيمؤن فى الطبرى أيضا: فيميون، وقد وصف بالزهد، والأولى أن يوصف بالتقوى، فالزهد ليس من شعائر الإسلام، وإنما هو مانوية الفرس.

1 / 192