[27_2]
ألمت بي الأحزان مما تسترت ... فهمت فلم أدر يمينا ولا يسرى
وساومت منها الضرب والجسم لم يكد ... يبين وان بانت فقوته قسرا
في هذا البيت إشارة إلى قول أبي الطيب المتنبي:
أبلى الهوى أسفا يوم النوى بدني ... وفرق الهجر بين الجفن والوسن
روح تردد في مثل الخيال إذا ... أطارت الريح عنه الثوب لم يبن
كفى بجسمي نحولا أنني رجل ... لولا مخاطبتي إياك لم ترني
ذكر علماء البديع إن هذا (لا يمتنع عقلا أن ينحل الشخص حتى يصير مثل الهلال ولا يستدل عليه إلا بالكلام، إذ الشيء الدقيق إذا كان بعيدا لا يرى، بخلاف الصوت. ولكن صيرورة الشخص في النحول إلى مثل هذا الحال ممتنع عادة).
لكن الشيخ شرف الدين عمر بن الفارض أخذ هذا المعنى الدقيق ووشحه بنفائس العقود حيث قال من قصيدة:
كأني هلال الشك لولا تأوهي ... خفيت فلم تهد العيون برؤيتي
وقوله من أخرى:
كهلال الشك لولا أنه ... أن عيني عينه لم تتأي
فأين هذا من ذاك؟ فان المتنبي نفى الوجود، والشيخ رضي الله عنه أثبته لكن بالنحول كهلال الشك. والصدق والارتكاب بينهما واضح، وعلامات السعادة على أحد الكلامين لائح.
ومنه قول ابن حجة من قصيدة نبوية، عارض فيها كعب بن زهير:
وفوق طرس مشيبي أرخوا تلفى ... وذلك الطرس فوق الرأس محمول
وقد تجاوز جسمي حد كل ضنى ... فها أنا اليوم في الأوهام تخييل
ومنها:
فلو مر بي واش لغادر ميتا ... صريع الغواني بات ينتظر الحشرا
صفحة ٢٧