قال أحمد: صدق الفيلسوف فى قوله هذا، لأنه لا يتهيأ أن ينفذ تدبيره فى الشىء إلا بعد حله وتليينه. فالعضو مخصوص باللين وذلك معدوم فى الجسد إلا بعد المعالجة. وأرى قوله هذا يوجب أن مستعمل العضو قد كفى بعض العمل، لأنه إذا كان تدبير الجسد أول درجته كونه كالعضو، إلا أن أرسطاطاليس يذكر أن تدبير الجسد من أول العمل إلى آخره أهون وهو أصبر من غيره. فيرى أرسطاطاليس أن الشىء لا يخلو أمره من الشوائب كما قدمنا. فإذا كان كذلك فيكون أبدا معه، أعنى الجسد، من القوة الغريزية والتركيب الأصلى ما ليس مع العضو، فتكون هذه القوة والتركيب مقويا للجسد فى كل حالاته إلى أن يبلغ. وأراه يصدق فى ذلك، ويدعى أن الشيخ أفلاطون موافق له وأنه أخذه عنه.
قال أفلاطون: وقبل ذلك فأحوج ما كنت إليه معرفة كيفية التركيب.
قال أحمد: يقول إن الحاجة إلى معرفة التركيب وكيفيته شديدة. فذهب الفيلسوف فى ذلك أنه إذا عرف التركيب وكيف يركب، فإنه يهتدى إلى حله ونفاذ التدبير.
قال أفلاطون: وبعد البسيط فهو المثلث، إلى إن قال: فدع قول المخالفين فى ادعائهم المدور.
قال أحمد: إن أفلاطون وجد الأوائل يقولون إن أوائل الأشياء أوائل معقولة، وهو الذى كان من أجله المحسوس البسيط، وهو الشىء القابل للتركيب، فبعض الأوائل يقول إن البسيط شكله المدور لتشابه أجزائه؛ وأفلاطون يخالف هؤلاء ويقال: إن المدور يكون ذا تخلخل لأن أقطاره لا تتلاصق بكليتها. فإذا كان كذلك فإنه يقع فيه الخلاء، وذلك معدوم فى البسيط. ويقول إن البسيط الجزء الوهمى، ويحكم أن الجزء الوهمى الذى لا يقبل التجزئ هو البسيط. ويقول إنه لا يقبل التجزئ لا لصغره، بل لأنه واحدى الذات. فمحال أن يتجزأ إلا بدخيل يدخل عليه فيجزئه، فحينئذ 〈تقع〉 فيه التجزئة، فأما أن يكون واحدى الذات فهو الجزء الذى لا تستحيل فيه التجزئة، وأفلاطون يحيل فيه التجزئة فى هذا الشىء، لا لصغره وقلته، بل لأنه واحدى الذات. فتفهم ذلك وأنصت لما يأتى من قول الفيلسوف فى هذه الكتب، فإنه فيه بيان لهذا على أشد الاستقصاء إن شاء الله.
صفحة ١٢٧