قال أحمد: لولا ما قدمه الفيلسوف فى قوله لما كان مستحيلا إدراك هذه الصناعة على ذى الجهل والعلماء. إلا أن هذا الاستمكان من ذلك الفعل العظيم الذى يتجاوز أفعال البشر. وسنأتى فى هذا الكتاب وفيما يليه بالآراء التى ترشد إلى ما يعين على ضبط الشىء إلا أنا إن أخرجنا ذلك بالعبارة التامة الكلية، فلن نستطيع أن نأتى بالمحتاج إليه فى ذلك؛ ولا يستغنى العامل عن استعمال الرأى والفطنة؛ ولولا أن ذلك مما يتهيأ إخراجه مع تمثيل كل جزء من العمل كأنى أتكلم فيه إذا مثلت صنعة الآنية وغير ذلك من أجزاء العمل لصرفت بعض القول إلى الكلام فيه، إلا أن إخراجه بما ذكرت أولى وأصوب. — وأتقدم فى هذا الكتاب بمشورة، وهو أن يكثر من العمل فاته وإن فاتت البعض استمكن من البعض.
قال أفلاطون: واعلم أنك تحتاج أن تنازل فى الضبط الأركان والعلو.
قال أحمد: إن الصفو طالب للعلو، والعلو يطلبه إذا كان من جنسه؛ والأركان أيضا تخالط الصفو للافتقار إليه، كما قد أخبرت.
قال أفلاطون: وأشد الأوقات حاجة إلى الضبط أوان التصعيد والتكليس.
قال أحمد: قد يجب أن تعلم أن الحل من جنس الماء، وأن الطالب للسفر هو يمنع من الارتفاع والتصعيد، والتكليس من جوهر النار والهواء، وهما الركنان الطالبان للعلو.
قال أفلاطون: و〈فى〉 التكليس ما ينفذ فى النار، وفى التصعيد الرطب مما ينفذ فى الهواء.
قال أحمد: إن للمتخلص من الأجرام السفلية مسلكا فى الأجرام الموافقة لها: فالنار من جنس التكليس، والهواء من جنس التصعيد الرطب.
قال أفلاطون: وإذا كان النيران فى المراكز العالية فإن الشىء سريع فى الذهاب. — إلى أن قال: فأسقطهما.
قال أحمد: قد أنبأتك قبل أن من شأن النيرين جذب 〈الصفو〉. وهما إذا كانا بالمحل الذى ذكره الفيلسوف أقدر على الفعل. فيأمرنا الفيلسوف بإسقاطهما عند العمل، يعنى عند التحليل ليحرز العمل من الجذب المستمكن.
قال أفلاطون: وتعلم أن يكون إسقاطهما مما يضر.
صفحة ١٨٠