قال أفلاطون: وأنفى فى تنقيته زوال قوته.
قال أحمد: إنه ليس شىء أنت أحوج إليه فى هذا العمل من استعمال ما أمرك به فى هذا القول. وذلك أن من كان تدبيره فى تنقية ما تدبيرا غير مستقيم، فإنه ينتزع القوة الفاعلة للعمل القوى مع ما ينتزعه من الوسخ والكدر. فنقول إن الفيلسوف يأمر أن ينفى هذا الباب من الفعل. وقد أخرج فى الكتاب الرابع الحيل فى التحرز منه. وهذا القول فليس من جنس هذا الرابوع، بل مما يجب أن يوضع فى الرابوع الثالث والرابع؛ إلا أن الفيلسوف أخرجه من هذا الكتاب، فلم أجد بدا من إتباع رأيه فيه.
قال أفلاطون: وشعر الصحيح الطبع الكامل العقل أول ما استعمل.
قال أحمد: ينبغى أن تعلم أن كل شىء كان أقوم تركيبا وبعد عن العوارض الفاسدة فإنك تكون فى تدبيره أنجح وعمله أسهل عليك. وقوله: «الكامل العقل» — فقد تقدم القول فى ألفاظ الفيلسوف فى النفس العقلى، وأن أكثر اختياره لأعضاء الإنسان فى هذا العمل من جميع الحيوان لمجاورة النفس العقلية لها، أعنى الأعضاء. فمراده الكامل العقل، لعلمه أن الأثر الكامل من المؤثر القوى. وإذا كان قويا فمجاورة أيضا كذلك.
قال أفلاطون: وبعد هذا العضو فالجلد من الحيوان لا يعتمده.
قال أحمد: يقول: بعد هذا العضو — يعنى به الشعر — والعضو الثانى: الجلد، فهو يأمر أن لا يستعمل بتة وأنت تجد إلى غيره سبيلا. — قال أحمد : إن مما تقدم من ألفاظ الفيلسوف دليلا بينا أن هذا الشىء واجب كونه من جميع الأشياء، لكنه إنما وضع الفيلسوف هذا الرابوع ليبين أنها أسهل عملا وأيسر تدبيرا، فيكون القصد إليه ألا يرى أن الفيلسوف قد قال فى هذا العضو الذى هو الجلد: لا ينبغى أن يستعمل وأنت تجد غيره، للعلل التى ذكرها.
صفحة ١٤٢