قال أحمد: قوله إن النتن أيضا من مقدمات التلطيف تقف على صحته إذا استعملت ما قد حده لك فى أبواب التحليل والتعفين فى الكتاب الثالث والرابع، لأن هناك تعلم أن أكثر النتن العرضى فى الأجسام إنما هو لارتفاع اللطيف منه.
قال أفلاطون: والرجيع أيضا وإن كان من تفل الأشياء وعكرها فنتنه أيضا من التلطيف.
قال أحمد: يقول إن الرجيع — وإن كان أيضا من عكر الأشياء وتفلها — فنتنه أيضا من التلطيف، إذ اللطف منه، وذلك أن الغذاء فى الحيوان إذا عمل فيه القوى الطبيعية ليجتذب لطائفه فإنه يظهر فيه النتن الذى يوجد فيه. وقد أخرجت فى كيفية النتن والطيب مقالة بأسرها فى كتابى الذى بينت فيه اختلاط الأركان على أشد استقصاء. فلنتجاوز ذلك إلى كلام الفيلسوف فى هذا الكتاب.
قال أفلاطون: ولا ينبغى أن أنيب إلى التهاتر إلا بعد بصيرة.
قال أحمد: إنه من لم يعرف كلام الفيلسوف ومعناه وقصده فى كل كلام يخيل إليه أن الفيلسوف تناقض كلامه ويخالف البعض منه البعض. — من ذلك ما قد قدم فى هذه الفصول فإنه جعل فى أول كلامه النتن دليل الكدر، ثم جعله أيضا فيما تلطف. وكان فى كل كلامه محقا، لأنه ذهب فى كل قول إلى معنى صحيح. — وقد قال ثاوفرسطس فى بعض مقالاته إن النتن إلى السفل من الكثافة، وإلى العلو من اللطافة؛ فيريد أفلاطون أن لا يتسرع إلى قوله بالثلب والعضيهة، فإن لذلك معانى غامضة صحيحة. ومن عاب قول الفيلسوف فإنما هو لنقصان علمه ومعرفته. وقوله: «إلا بعد بصيرة» فإنما قاله لأنه قد أمن بعد البصيرة أن يعاب، إذ كان خلوا من العيب.
قال أفلاطون: ومما ينبغى أن تختار من الأعضاء: عضو جنس الأجناس وصورة الصور.
قال أحمد: يعنى بجنس الأجناس الإنسان، وكذلك صورة الصور. وذلك أن من الأصول المتفق عليها أكثر الأوائل أن الإنسان هو المستولى قديما وحديثا على سائر الحيوان، وهو أحكم الحيوان صورة وتركيبا.
صفحة ١٣٩