قال أحمد: الكتاب الموجود ب«إيليا» يعنى به كتاب إقليدس. وأما أمر معرفته فالتركيب. وهذا الكتاب، أعنى إقليدس، يوجد ب«إيليا» نحله إبلنيس النجار فنسب إليه. وتفسير «إقليدس» إنما هو باليونانية: المفتاح. وليس يدرى من الذى ابتدعه. غير أنه أخبرنى الذى أثق به أن ذلك من إلهام العلويين لمواليهم: وأما ما يدل عليه ذلك من التركيب فمبتدأ القول فيه هو أن تمام العلم بالمعلوم، يعنى أنه لا يوصل إلى علم الشىء إلا بمشاهدة الشىء. والقول الثانى أن النقطة هى التى لا جزء لها، فإنما ينبئ عن ذلك البسيط الذى تقدم القول فيه: ثم يقول فى الخلط المتشابه وهو الذى يحيط بالجرم السكرى، فنسبه إلى جنس النار الذى هو أقرب الأشياء إلى البسيط وأبعده من الطبيعة. ثم تكلم فى فى أول الشكل المثلث فنسبه إلى الهواء لقربه من النار. ثم تكلم فى ذوى الأقطار فنسبه إلى الماء الذى هو دون الهواء. ثم تكلم فى المجسم فنسبه إلى الأرض الذى هو قعر الطبيعة — وقد تكلم أسقولبيوس فى خطبته فقال إن النفس مربوطة فى الحيوان بالمثلثات، يعنى أنه أقرب إلى البسيط من غيره من ذوى الأقطار والمجسم، فيكون إذن أولى بأن يكون محلا للنفس. فكتابه كله ينبئ عن الشىء أنه من أصل واحد، وإنما يعتبره من أجل التركيب.
قال أفلاطون: والأقطار والزوايا من التركيب. فما قل فيه فهو أقرب إلى البسيط.
قال أحمد: لما كانت الأقطار من التركيب، كان كل جرم أقل أقطارا أقرب إلى البسيط. وتوجب هذه القضية أن المثلث أقرب إلى البسيط أيضا من المخمس والمسدس وذوى الأقطار الكثيرة. فتفهم ذلك.
قال أفلاطون: فأما المدور فبسيط الطبيعة.
قال أحمد: يقول إن الجرم المدور هو بسيط الطبيعة، لأنه أقل الأجرام تفاوتا وأكثره تشابها حتى لقد نسبه بعض الأوائل إلى البسيط الذى يقول أفلاطون إنه الشىء المعقول، لا المحسوس. فتفقد إشارات الفيلسوف وكلامه واعلم أنه إذا قال: المثلث والمربع فى الأجرام، فإنه ليس يعنى به المحسوس فقط، بل الذى لا يحس لقلته أو لطافته، لأن الهواء الذى خص بالشكل المثلث ليس يحس فيه ذلك للطافته ودقة تركيبه. وكذلك فى سائر الأجرام: منه ما ليس يتبين فيه ما قد خص به من الشكل الذى قد أخبر به الفيلسوف. وإنما يتفهم كلامى هذا من قد تدرب فى قوانين المنطقيين وعرف مذاهب الحكماء وألفاظ الفيلسوفين. فأما من كان خلوا من ذلك، فإنه لا ينبغى له الاشتغال بالنظر فيه، فإنه لا ينتج له إلا الضجر به لبعده عن معرفته.
قال أفلاطون: واجعل هذه الأشكال مثالا، فرد كل شىء إلى الذى يستحيل إليه حتى يرد الشىء بسيطا بالمراقى.
صفحة ١٢٩