أوليائه، والزامه لهم بالجهاد، وأنه المهدي الذي يظهر الله به الحق، ويبيد بسيفه الضلال، وكان المعلوم أنه لا يقوم بالسيف إلا مع وجود الأنصار واجتماع الحفدة والأعوان، ولم يكن أنصاره عليه السلام عند وجوده متهيئين إلى هذا الوقت موجودين، ولا على نصرته مجمعين، ولا كان في الأرض من شيعته طرا من يصلح للجهاد وإن كانوا يصلحون لنقل الآثار وحفظ الأحكام والدعاء له بحصول التمكن من ذلك إلى الله عز وجل، لزمته التقية، ووجب فرضها عليه كما فرضت على آبائه عليهم السلام، لأنه لو ظهر بغير أعوان لألقى بيده إلى التهلكة، ولو أبدى شخصه للأعداء لم يألوا جهدا في إيقاع الضرر به، واستئصال شيعته، وإراقة دمائهم على الاستحلال، فيكون في ذلك أعظم الفساد في الدين والدنيا، ويخرج به عليه السلام عن أحكام الدين وتدبير الحكماء.
ولما ثبت عصمته، وجب استتاره حتى يعلم يقينا - لا شك فيه - حضور الأعوان له، واجتماع الأنصار، وتكون المصلحة العامة في ظهوره بالسيف، ويعلم تمكنه من إقامة الحدود، وتنفيذ الأحكام، وإذا كان الأمر على ما بيناه سقط ما ظنه المخالف من مناقضة أصحابنا الإمامية فيما يعتقدونه من علة ظهور السلف من أئمة الهدى عليهم السلام وغيبة صاحب زماننا هذا عليه التحية والرضوان وأفضل الرحمة والسلام والصلاة.
وبان مما ذكرناه فرق ما بين حاله وأحوالهم فيما جوز لهم الظهور، وأوجب حليه الاستتار.
(فصل) ثم يقال لهذا الخصم: أليس النبي صلى الله عليه والله قد أقام بمكة ثلاثة عشر سنة يدعو الناس إلى الله تعالى ولا يرى سل السيف ولا الجهاد، ويصبر
صفحة ١٣