فكان نبينا عليه والله السلام مكتوبا مذكورا في كتب الله الأولى، وقد أوجب على الأمم الماضية معرفته والاقرار به وانتظاره، وهو عليه السلام وديعة في صلب آبائه لم يخرج إلى الوجود، ونحن اليوم عارفون بالقيامة والبعث والحساب وهو معدوم غير موجود، وقد عرفنا آدم ونوحا وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ولم نشاهدهم ولا شاهدنا من أخبر عن مشاهدتهم، ونعرف جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وملك، الموت عليهم السلام ولست نعرف لهم شخصا ولا نعرف لهم مكانا، فقد فرض الله علينا معرفتهم والاقرار بهم وإن كنا لا نجد إلى الوصول إليهم سبيلا، ونعلم أن فرض (المعرفة لشخص في نفسه من المصالح مما لا يتعلق لوجود مشاهدة) (6) المعروف ولا يعرف مستقره ولا الوصول إليه في مكانه، وهذا بين لمن تدبره.
فإن قال: فما ينفعنا من معرفته مع عدم الانتفاع به من الوجه الذي ذكرنا؟
قيل له: نفس معرفتنا بوجوده وإمامته وعصمته وكماله نفع لنا في اكتساب الثواب، وانتظارنا لظهوره عبادة نستدفع بها عظيم العقاب، ونؤدي بها فرضا ألزمناه ربنا المالك للرقاب، كما كانت المعرفة بمن عددناه من الأنبياء والملائكة من أجل النفع لنا في مصالحنا، واكتسابنا المثوبة في أجلنا وإن لم يصح المعرفة لهم على كل حال وكما أن معرفة الأمم الماضية نبينا قبل وجوده مع أنها كانت من أوكد فرائضهم لأجل منافعهم، ومعرفة الباري جل اسمه أصل الفرائض كلها، وهو أعظم من أن يدرك بشئ من الحواس.
فإن قال: إذا كان الإمام عندكم غائبا، ومكانه مجهولا، فكيف يصنع
صفحة ١٣