رسائل ابن حزم الأندلسي
محقق
إحسان عباس
الناشر
المؤسسة العربية للدراسات والنشر
شماس، فخب في طاعته وأوضع، واشتهر بعد ما ذكرته في بعض المعاصي القبيحة الوضرة. ولقد أطلت ملامة وتشددت في عذله إذ أعلن بالمعصية بعد استتار، إلى ان أفسد ذلك ضميره علي، وخبثت نيته لي، وتربص بي دوائر السوء، وكان بعض أصحابنا يساعده بالكلام استجرارًا إليه، فيأنس به ويظهر له عداوتي، إلى أن أظهر لله سريرته، فعلمها البادي والحاضر، وسقط من عيون الناس كلهم بعد أن كان مقصدًا للعلماء ومنتابًا للفضلاء، ورذل عند إخوانه جملة، أعاذنا الله من البلاء، وسترنا في كفايته، ولا سبلنا ما بنا من نعمته.
فيا سوءتاه لمن بدأ بالاستقامة ولم يعلم أن الخذلان يحل به، وأن العصمة ستفارقه!! لا إله إلا الله، ما أشنع هذا وأفظعه!! لقد دهمته إحدى بنات الحرس، وألقت عصاها به أم طبق (١) من كان الله أولًا ثم صار للشيطان آخرًا، ومن إحدى الكلمتين: [من البسيط] .
أما الغلام فقد حانت فضيحته ... وانه كان مستورًا وقد هتكا
ما زال يضحك من أهل الهوى عجبًا ... فالآن كل جهول منه قد ضحكا
إليك لا تلح صبا هائمًا كلفًا ... يرى التهتك في دين الهوى نسكا
قد كان دهرًا يعاني النسك مجتهدًا ... (٣) يعد (٢) في نسكه كل امرئ مسكا
ذو محبر وكتاب لا يفارقه ... نحو المحدث يسعى حيث ما سلكا
فاعتاض من سمر أقلام بنان فتى ... كأنه من لجين صيغ أو سبكا
يا لائمي سفهًا في ذاك قل فلم ... تشهد حبيبين يوم الملتقى اشتبكا
دعني ووردي في الآبار اطلبه ... (٤) إليك عني كذا لا أبتغي البركا
(١) الحرس: الدهر، وبناته مصائبه؛ وأم طبق أو بنات طبق: الشدة، أو الداهية، وأصله للحية، إذ يقال لها أم طبق. (٢) بتروف: يعدل. (٣) المسك: البخيل (أي ان كل امرئ إذا قيس إلى نسكه عد مقصرًا)؛ وعند بتروف: نسكا، وقرأها برشيه: نهكا. (٤) يستعمل ابن حزم في هذا البيت وما يليه من أبيات نوعًا من التعريض الجارح.
1 / 277