خَاتِمَة
اعْلَم أَن فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَمَا رميت إِذْ رميت وَلَكِن الله رمى﴾ دقه وخفاء فان ظَاهر تَفْسِيره وَاضح جلي وَحَقِيقَة مَعْنَاهُ غامض خَفِي فانه إِثْبَات للرمي وَنفي لَهُ وهما متضادان فِي الظَّاهِر مَا لم يفهم انه رمى من وَجه وَلم يرم من وَجه وَمن الْوَجْه الَّذِي لم يرم رمى الله تَعَالَى وَبَعْضهمْ يَقُول وَمَا رميت حَقِيقَة إِذْ رميت مجَازًا وَلَكِن الله رمى حَقِيقَة وَقد احْتج بعض المثبتة للقدر بِهَذِهِ الْآيَة على أَن الله تَعَالَى خَالق أَفعَال الْعباد وَبَعْضهمْ توهم انه تَعَالَى هُوَ الْمَوْصُوف بذلك حَقِيقَة لظَاهِر هَذِه الْآيَة ظنا مِنْهُ انه تَعَالَى لما خلق الرَّامِي وَالرَّمْي كَانَ سُبْحَانَهُ هُوَ الرَّامِي فِي الْحَقِيقَة وَهَذَا غلط بِلَا ريب فَإِنَّهُم متفقون على أَن العَاصِي هُوَ المتصف بالمعصية والمذموم عَلَيْهَا فَإِن الْأَفْعَال يُوصف بهَا من قَامَت بِهِ لَا من خلقهَا فَإِن الله تَعَالَى لَا تقوم بِهِ أَفعَال الْعباد وَلَا يَتَّصِف بهَا وَلَا يعود إِلَيْهِ أَحْكَامهَا الَّتِي تعود إِلَى موصوفاتها
وَإِذا كَانَ مَا يتَعَلَّق بالإرادة وَالِاخْتِيَار كالطعوم والألوان تُوصَف بهَا محالها لَا خَالِقهَا فِي محالها فَكيف الْأَفْعَال الاختيارية وَلِهَذَا قَالَ بعض الْمُحَقِّقين إِن أَفعَال الْعباد مخلوقة لله وَهِي فعل العَبْد وَإِذا قيل هِيَ فعل الله فَالْمُرَاد أَنَّهَا مَفْعُوله لَا أَنَّهَا هِيَ الْفِعْل الَّذِي هُوَ مُسَمّى الْمصدر
فَإِن الجمور يَقُولُونَ إِن الله خَالق أَفعَال الْعباد كلهَا والخلق عِنْدهم لَيْسَ هُوَ الْمَخْلُوق فيفرقون بَين كَون أَفعَال الْعباد مخلوقة مَفْعُوله للرب وَبَين فعله الَّذِي هُوَ الْمصدر فَإِنَّهَا فعل العَبْد بِمَعْنى الْمصدر وَلَيْسَت فعلا للرب بِهَذَا
1 / 63