يقال لهم : فبم بان الأنبياء من غيرهم ؟ إلا أن الأنبياء أعطوا ما لم يعط غيرهم من الأئمة، وأعطي الأئمة ما بانوا به من سواهم من الخلائق. مع أن يحيى بن زكريا لم يرسل إلى أحد من خلق الله، وكان نبيا ولم يكن مرسلا، ولم يل أحكام الأمة، وكانت الأحكام إلى غيره إلى زكريا مع أن يحيى دعاء زكريا إذ قال :{فهب لي من لدنك وليا} [مريم: 5]. وقال :{وزكريا إذ نادى ربه قال رب لاتذرني فردا وأنت خير الوارثين} [الأنبياء: 89]. وقال :{رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء} [آل عمران: 38]. فوهب الله يحيى إجابة لزكرياء، وكان في وقت يحيى الحجة زكرياء.
فإن زعمت الروافض أن عيسى بن مريم تكلم في المهد صبيا .
يقال لهم: أفتزعمون أن عيسى بن مريم، وصاحبكم شيء واحد ؟! ألا ترى أن الله يعجب به خلقه، وأخبرهم بقدرته إذ قال :{ويكلم الناس في المهد وكهلا. } [آل عمران:46]. وقال تبارك وتعالى :{وجعلنا ابن مريم وأمه آية} [المؤمنون: 50]. لأنه لم يكن في ولد آدم خلق مثله، خلق من غير أب، ولم يقل: إن صاحبكم آية منه مع أنه يستبين من صاحبكم للناس خلاف ما استبان من عيسى ويحيى وهما نبيان، فتحتجون علينا بحجة الأنبياء، وتساوون أصحابكم بالأنبياء، ونرى أفاعيلهم خلاف أفاعيل الأنبياء، إذ أخذوا التقية من المخلوقين دينا، وهذا يحيى بن زكرياء لم يخف غير الله، ولم يدار في دينه، استبقاء على بدنه، حتى قتل صلى الله عليه، ومع أن يحيى لم يلبس اللين، ولم يأكل الطيب، وكان باكيا آثار الدموع بخديه، حتى مضى إلى الله، صلى الله عليه وسلم.
صفحة ٤٠٥