95

قوت القلوب

محقق

د. عاصم إبراهيم الكيالي

الناشر

دار الكتب العلمية - بيروت

رقم الإصدار

الثانية

سنة النشر

١٤٢٦ هـ -٢٠٠٥ م

مكان النشر

لبنان

فهذا البيان الأوّل زيادة على الأشد وهو الوصف إلاّ أنه غير مفسر ثم قال في البيان الثاني: (حَتّى إذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعينَ سَنَةً) الأحقاف: ١٥، ففسّر الأشد بالأربعين إذا كانت الواو للمدح والوصف في أحد الوجهين ومعناه الجمع قوله تعالى: (وَالْعَصْرِ) (إنَّ الإنْسَانَ لَفي خُسْرٍ) العصر: ١ - ٢ معناه أن الناس لفي خسر أي لفي خسران لقوله: (إنَّ الَّذينَ آمنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) مريم: ٩٦ ولا يستثنى جماعة من واحد وإنما يستثنى جماعة من جماعة أكثر منهم وإنما وحد الاسم للجنس وكذلك قوله تعالى: (يَا أيُّهَا الإنْسَانُ إنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحًا) الانشقاق: ٦ معناه يا أيها الناس إنكم كادحون دل عليه قوله ﷿: (فَأمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ) الانشقاق: ٧ (وَأمَّا مَنْ أُوتِي كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِه) الانشقاق: ١٠ وإنما وحد النعت لتوحيد الاسم وكذلك قوله ﷿: (وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) الأحزاب: ٧٢ معناه حملها الناس كلهم وهذا أحب الوجهين إليّ لقوله ﷿: (لِيُعَذِّبَ الله الْمُنَافِقينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكينَ وَالْمُشْرِكَاتِ) الأحزاب: ٧٣ ومثله قوله ﷿: (وَإنَّا إذَا أَذَقْنَا الإنْسانَ منَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا) الشورى: ٤٨ معناه وإنا إذا أذقنا الناس منا رحمة فرحوا بها فلما وحد الاسم وحد نعته دل عليه قوله تعالى: (وَإنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِم) الشورى: ٤٨ فأظهر الجمع ومن الجمع المراد به الواحد قوله ﷿: (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلين) الشعراء: ١٠٥ يعني نوحًا وحده لأنه لم يرسل إلى قوم نوح غيره ودلّ عليه قوله تعالى: (إذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ) الشعراء: ١٠٦، فوحّد الجمع ومثله فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء يعني بذلك النبي ﷺ وحده يوم خيبر ومن الجمع المكني قوله ﷿: (لَخَلْقُ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) غافر: ٥٧ يعني في هذا الموضع الدجال ونزل ذلك في الذكر الدجال واستعظامهم لوصفه وكذلك قوله تعالى: (الَّذينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) آل عمران: ١٧٣ يعني رجلًا واحدًا قاله لهم وهو عروة بن مسعود الثقفي، فجمع لفظه لأجل جنسه والعرب تجمع الواحد للجنس، وكذلك قيل في أحد الوجوه إن قوله ﷿: (ثُمَّ أَفيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ) البقرة: ١٩٩ يعني آدم ﷺ وحده وهو أوّل من طاف بالبيت وأتاه جبريل وأشعر له المناسك وقد قرأت في بعض حروف السلف من حيث أفاض آدم فهذا شاهد له ومن المقدم والمؤخر لحسن تأليف الكلم ومزيد البيان والإظهار قوله ﷿: (مَنْ كَفَرَ بالله مِنْ بَعْدِ إيمَانِهِ إلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإِيمَان وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالكُفْرِ صَدْرًا) النحل: ١٠٦ اختصاره ومؤخره من كفر بالله بعد إيمانه وشرح بالكفر صدرًا فعليهم غضب من الله إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن وكد بقوله ولكن من شرح بالكفر صدرًا لما استثنى المكره وقلبه مطمئن بإيمان ولم يجعل المكره آخر الكلام لئلا يليه قوله: (فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ) النحل: ١٠٦ فيتوهم انه خبره وجعل آخر الكلام فعليهم غضب من الله وهو في

1 / 101