290

قوت القلوب

محقق

د. عاصم إبراهيم الكيالي

الناشر

دار الكتب العلمية - بيروت

رقم الإصدار

الثانية

سنة النشر

١٤٢٦ هـ -٢٠٠٥ م

مكان النشر

لبنان

وكذلك من أعظم المنكر بعد هذا إنكار الحق من أهله وردّه عليهم بالتكذيب، وقد سوّى تعالى أيضًا بين التكذيب بالحق وبين ابتداء الكذب على الخالق في قوله ﷿: (ومَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى على الله كَذِبًا أوْ كَذَّبَ بِالْحقِّ لَمَّا جَاءَهُ) العنكبوت: ٦٨، وقال تعالى في مثله: (فَمَنْ أظْلمُ مِمَّنْ كذبَ على الله وكذَّبَ بِالصدْقِ إذْ جاءَهُ) الزمر: ٣٢ كذلك أيضًا في ضده سوّى كما سوّى ﷿ بين الصادق بالصدق والمصدق به فقال تعالى: (والَّذي جاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بهِ أُولئكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) الزمر: ٣٣
قال رسول الله ﷺ: العالم والمتعلم شريكان في العلم، وقال عيسى ﵇ بمعناه: المستمع شريك القائل ولكن الله تعالى قد جعل هذه الطائفة من أهل العلم بالله تعالى ترد على جميع الطوائف من الشاطحين والمبتدعين أهل الجهالة بالدين والحيدة عن سبيل المؤمنين بما أراهم الله تعالى من علم اليقين وبما شهد لهم رسول الله ﷺ بالعلم والتعديل في قوله: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، فالغالون هم الشاطحون لأنهم قد جاوزوا العلم ومحوا الرسم فأسقطوا الحكم، والمبطلون هم المدّعون المبتدعون لأنهم جادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق وافتروا بالدعوى وابتدعوا بالرأي والهوى، والجاهلون هم المنكرون لغرائب العلم المفترون لما عرفوا من ظاهر العقل، كما روينا عن النبي ﷺ: إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا أهل المعرفة بالله ﷿، فإذا نطقوا به لم يجهله إلا أهل الإغترار بالله تعالى: ولا تحقروا عالمًا آتاه الله تعالى علمًا فإن الله ﷿ لم يحقره إذ أتاه وكل من تأول السنن بالرأي أو المعقول أو نطق بما لم يسبق إليه السلف من القول أو بمعناه فهو متكلف مبطل، فأهل العلم بالله تعالى يردّون علوم المعقول بعلم اليقين وعلم الرأي بعلم السنة يثبتون أهل الآثار ويؤيدون نقلة الأخبار بما يفصلون من أخبارهم ويفسرون من حديثهم مما لم يجعل للنقلة طريق إليه ولم يهتد الرواة إلى كشف منه بما أشهدهم الله ﷿ واستودعهم ونوّر به قلوبهم ونطقهم فهم ينطقون عن الله ﷾ فيما يخبرون عنه، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون.
وقد قال بعض العلماء: ما تكلّم فيه السلف فالسكوت عنه جفاء وما سكت عنه السلف فالكلام فيه تكلف وقال آخر: الحق ثقيل من جاوزه ظلم ومن قصر عنه عجز ومن وقف معه اكتفى وقال علي ﵁ عليكم بالنمط الأوسط الذي يرجع إليه العالي ويرتفع عنه القالي وهكذا سيرة السلف إنه لا يستمع إلى مبتدع لأنه منكر ولا يرد عليه بالجدال والنظر لأنه بدعة، ولكن يخبر بالسنن ويحتج بالأثر فإن قيل فهو أخوك في الله ﷿ ووجبت عليك موالاته وإن لم يرجع وأنكر نقض بإنكاره وعرف ببدعته وحقّت عداوته وهجر في الله تعالى، وهذا طريق لا يسلكه في وقتنا هذا إلا من عرف

1 / 296