قصص من التاريخ
الناشر
دار المنارة للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
العاشرة
سنة النشر
١٤٢٧ هـ - ٢٠٠٧ م
مكان النشر
جدة - المملكة العربية السعودية
تصانيف
وكان يحدثها في الطريق عن هؤلاء الوحوش الكافرين، ويصف لها فظاعة ديانتهم وقسوة رجالهم، وكيف يأكلون لحوم أعدائهم ويشربون دماءهم، ويصور لها ملكهم (صلاح الدين) كما وصفه له الكهنة ورجال الكنيسة فترتجف أضلاعها خوفًا وفزعًا من هذه الصورة المرعبة، وتضم ولدها إليها، وتصلّب وتستجير بالقديسين جميعًا، وبيسوع وبالعذراء، أن لا يجعلوا له سبيلًا إليها، وأن لا يُروها وجهه المخيف!
وينقضي الاحتفال، ويرجعون من الكنيسة وهي تحس أن الدنيا قد ألقت إليهم مقاليد الأماني، وأن الدهر قد حكّمهم فيه ونزل على حكمهم، وتستلقي على فراشها وهي تداعب الآمال وتناجيها. حتى إذا بلغ بها التأميل أن ترى هذه البلاد كلها قد عادت للمسيح وأتباعه، ولم تبق في جنباتها منارة مسجد، ولم يعد يتردد في جوّها أذان، وترى زوجها قد علا في المناصب حتى صار القائد المفرد، أغمضت عينيها على هذه الصورة الحلوة وأخذتها معها في أحلامها ... ونامت. ولكنها لم تجد إلا حلمًا مزعجًا: لقد أحست كأن المدينة تتقلقل وتَميد، وكأن حصونها تدك دكًا، وتخر حجارتها، وتتهدم كما يتهدم عش عصفور ضعيف بضربة من جناح نسر كاسر. وخالطت سمعَها أصواتُ العويل والبكاء تتخللها صرخات الرجال، فعلمت أنه ليس بحلم ولكنها الحقيقة. فوثبت تحمل ابنها، ونظرت إلى سرير زوجها فلم تلقه في مكانه، فخرجت تسأل ما الخبر، فخبروها أن صلاح الدين قد دار حول البلد حتى حط على جبل الزيتون، ثم صدم المدينة صدمة زلزلتها وهزتها هزًا وكادت تقتلعها من أساسها كما تُقتلع
1 / 29