بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي خلق الزمان والمكان (1)، ومنه التمكين والامكان، الذي دل على نفسه بمخلوقاته، وتعرف من خلقه بمصنوعاته (2) نحمده على مننه المتتابعة المتظاهرة، ونشكره على نعمه الباطنة والظاهرة، حمدا يوجب مزيد الاحسان (3) وشكرا يقتضى فوز الغفران و الرضوان، صلواته على نبيه محمد (4) البشير النذير السراج (5) المنير، وعلى آله الطيبين و عترته الطاهرين.
اما بعد: فان في قصص الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم ألطافا تدعوا إلى محاسن الأخلاق، وعبرا تردع عن الشك والنفاق، وان ذكر اخبارهم وآثارهم مما يقرب (6) من الطاعة (7) والعبادة، ويبعد ذوي (8) الاستطاعة من سوء (9) العادة.
والكتب المصنفة في هذا المعنى فيها الغث والسمين والرد والثمين، فجمعت بعون الله تعالى ذلا لها (10)، وسلبتها جريالها (11) وحصلته مرتبا، وفصلته مبوبا وبالله 32 التوفيق و
صفحة ٣٥
العصمة (12).
الباب الأول في ذكر أبينا آدم عليه السلام.
الباب الثاني في ذكر إدريس ونوح عليهما السلام.
الباب الثالث في ذكر هود وصالح عليهما السلام.
الباب الرابع في ذكر إبراهيم خليل الله عليه السلام. (13) الباب الخامس في ذكر لوط وذي القرنين عليهما السلام.
الباب السادس في ذكر يعقوب ويوسف عليهما السلام.
الباب السابع في ذكر أيوب وشعيب عليهما السلام.
الباب الثامن في ذكر موسى بن عمران صلوات الله عليه.
الباب التاسع في ذكر أحاديث بني إسرائيل.
الباب العاشر في ذكر إسماعيل ولقمان صلوات الله عليهما.
الباب الحادي عشر في ذكر داود صلوات الله عليه.
الباب الثاني عشر في ذكر سليمان صلوات الله عليه.
الباب الثالث عشر في ذكر ذي الكفل وعمران عليهما السلام.
الباب الرابع عشر في ذكر زكريا ويحيى عليهما السلام.
الباب الخامس عشر في ذكر إرميا ودانيال عليهما السلام.
الباب السادس عشر في ذكر جرجيس وعزير وحزقيل:
الباب السابع عشر في ذكر شعيا وأصحاب الأخدود وإلياس واليسع ويونس و
صفحة ٣٦
أصحاب الكهف والرقيم:
الباب الثامن عشر: في ذكر عيسى بن مريم صلوات الله عليه.
الباب التاسع عشر: في ذكر معجزات النبي محمد المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، و غير ذلك من الوقايع والغزوات على ما يأتي شرحه وبيانه.
الباب العشرون: في أحوال محمد صلى الله عليه وآله.
وذكرت أيضا من أحوال الأصفياء والأمم ما تكون (1) فيه فائدة عائده (2) لذوي الهمم، وجعلت كل باب منها يشتمل على عده فصول، وبالله العصمة والتوفيق في الفروع و الأصول.
صفحة ٣٧
الباب الأول في ذكر آدم عليه السلام فصل - 1 - في ذكر خلق آدم وحوا صلوات الله عليهما:
1 اخبرني الشيخ علي بن علي بن عبد الصمد (1) النيشابوري عن أبيه، أخبرنا السيد أبو البركات علي بن الحسين الجوزي (2)، أخبرنا الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه، أخبرنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قالا: أخبرنا سعد بن عبد الله أخبرنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب أخبرنا الحسن بن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سال أمير المؤمنين عليه السلام هل كان في الأرض خلق من خلق الله تعالى يعبدون الله قبل (3) آدم عليه السلام وذريته؟ فقال: نعم قد كان في السماوات والأرض خلق من خلق الله يقدسون الله، ويسبحونه، ويعظمونه بالليل و
صفحة ٣٨
النهار لا يفترون، وان الله (1) عز وجل لما خلق الأرضين (2) خلقها قبل السماوات.
ثم خلق الملائكة روحانيين لهم أجنحة يطيرون بها حيث يشاء الله، فاسكنهم فيما بين (3) اطباق السماوات يقدسونه في الليل والنهار (4)، واصطفى (5) منهم إسرافيل و ميكائيل وجبرائيل.
ثم خلق عز وجل في الأرض الجن روحانيين لهم (6) أجنحة، فخلقهم دون خلق الملائكة، وخفضهم (7) ان يبلغوا مبلغ الملائكة في الطيران وغير ذلك، فاسكنهم فيما بين اطباق الأرضين السبع وفوقهن يقدسون (8) الله الليل والنهار لا يفترون.
ثم خلق خلقا دونهم، لهم أبدان وارواح بغير أجنحة، يأكلون ويشربون نسناس أشباه (9) خلقهم وليسوا بأنس واسكنهم أوساط الأرض على ظهر الأرض مع الجن يقدسون (10) الله الليل (11) والنهار لا يفترون قال: وكان الجن تطير في السماء: فتلقى الملائكة في السماوات، فيسلمون عليهم و يزورونهم ويستريحون إليهم ويتعلمون منهم الخير.
ثم إن طائفة من الجن والنسناس الذين خلقهم الله واسكنهم أوساط الأرض مع (12) الجن تمردوا وعتوا عن امر الله فمرحوا وبغوا في الأرض بغير الحق وعلا بعضهم على بعض
صفحة ٣٩
في العتو على الله تعالى حتى سفكوا الدماء فيما بينهم، وأظهروا الفساد، وجحدوا ربوبية الله (1) تعالى.
قال: وأقامت الطائفة المطيعون من الجن على رضوان الله تعالى وطاعته، وباينوا الطايفتين من الجن والنسناس الذين (2) عتوا عن امر الله.
قال فحط الله أجنحة (3) الطائفة من الجن الذين عتوا عن امر الله وتمردوا، فكانوا لا يقدرون على الطيران إلى السماء وإلى ملاقاه الملائكة لما (4) ارتكبوا من الذنوب والمعاصي قال: وكانت الطائفة المطيعة لأمر الله من الجن تطير إلى السماء الليل والنهار على ما كانت عليه، وكان بليس - واسمه الحارث - يظهر للملائكة انه من الطائفة المطيعة.
ثم خلق الله تعالى خلقا على خلاف خلق الملائكة وعلى خلاف خلق الجن (5) وعلى خلاف خلق النسناس، يدبون كما يدب الهوام في الأرض، يشربون ويأكلون كما تأكل الانعام من مراعى الأرض كلهم ذكران ليس فيهم إناث، ولم يجعل (6) الله فيهم شهوة النساء ولا حب الأولاد، ولا الحرص، ولا طول الامل، ولا لذه عيش (7)، لا يلبسهم الليل، ولا يغشاهم النهار، وليسوا ببهائم (8) ولا هوام، ولباسهم (9) ورق الشجر، وشربهم من العيون الغزار والأودية الكبار. ثم أراد الله ان يفرقهم فرقتين، فجعل فرقه خلف مطلع الشمس من وراء البحر، فكون لهم مدينه أنشأها لهم تسمى (10) " جابرسا " طولها اثنا عشر
صفحة ٤٠
الف فرسخ في اثنى عشر ألف فرسخ، وكون عليها سورا من حديد يقطع الأرض إلى السماء، ثم أسكنهم فيها. واسكن الفرقة الأخرى خلف مغرب الشمس من وراء البحر، وكون لهم مدينه أنشأها تسمى (1) " جابلقا " طولها اثنا عشر الف (2) فرسخ في اثنى عشر الف فرسخ، وكون لهم سورا من حديد يقطع إلى السماء (3): فاسكن الفرقة الأخرى فيها، لا يعلم أهل جابرسا بموضع أهل جابلقا، ولا يعلم أهل جابلقا بموضع أهل جابرسا، و لا يعلم بهم أهل أوساط الأرض من الجن والناس. وكانت (4) الشمس تطلع على أهل أوساط الأرض (5) من الجن والنسناس فينتفعون، بحرها ويستضيئون بنورها ، ثم تغرب في عين حمئة فلا يعلم بها أهل (6) جابرسا إذا طلعت، لأنها تطلع من دون جابرسا، وتغرب من دون جابلقا. فقيل يا أمير المؤمنين: فكيف يبصرون و يحيون؟ وكيف يأكلون ويشربون؟ وليس تطلع الشمس عليهم (7)؟
فقال صلوات الله عليه: انهم يستضيئون (8) بنور الله، فهم في أشد ضوء من نور الشمس، ولا يرون ان الله تعالى خلق شمسا ولا قمرا ولا نجوما ولا كواكب ولا يعرفون شيئا غيره.
فقيل يا أمير المؤمنين: فأين إبليس عنهم؟
قال: لا يعرفون إبليس ولا سمعوا (9) بذكره لا يعرفون الا الله وحده لا شريك له، لم يكتسب أحد منهم قط خطيئة ولم يقترف (10) اثما لا يسقمون ولا يهرمون ولا يموتون، يعبدون الله إلى يوم القيامة لا يفترون، الليل والنهار عندهم سواء.
صفحة ٤١
قال الله (1) أحب ان يخلق خلقا، وذلك بعد ما مضى من الجن (2) والنسناس سبعه آلاف سنه فلما كامن خلق الله ان يخلق آدم للذي أراد من التدبير والتقدير فيما هو مكونه من السماوات والأرضين كشف عن (3) اطباق السماوات.
ثم قال للملائكة: انظروا إلى أهل الأرض ترضون أعمالهم وطاعتهم لي؟ فاطلعت الملائكة ورأوا (4) ما يعملون فيها من المعاصي وسفك الدماء والفساد في الأرض بغير الحق، أعظموا ذلك وغضبوا لله وأسفوا على أهل الأرض، ولم يملكوا غضبهم وقالوا: ربنا أنت (5) العزيز الجبار الظاهر العظيم (6) الشأن وهؤلاء كلهم خلقك الضعيف الذليل في أرضك، كلهم ينقلبون (7) في قبضتك، ويعيشون برزقك، و يتمتعون بعافيتك وهم يعصونك، بمثل هذه الذنوب العظام لا تغضب ولا تنتقم منهم لنفسك بما تسمع منهم وترى وقد عظم ذلك علينا وأكبرناه (8) فيك.
قال: فلما سمع الله تعالى مقاله (9) الملائكة قال: إني جاعل في الأرض خليفة فيكون حجتي على خلقي في الأرض (10)، فقالت الملائكة سبحانك ربنا أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟
فقال الله تعالى: (يا ملائكتي إني اعلم مالا تعلمون) إني أخلق خلقا بيدي اجعلهم (11)
صفحة ٤٢
خلفائي على خلقي في ارضى، ينهونهم عن معصيتي وينذرونهم ويهدونهم (1) إلى طاعتي، ويسلكون بهم طريق سبيلي، اجعلهم حجه لي عذرا ونذرا (2) وأنفي الشياطين من ارضى وأطهرها منهم فاسكنهم في الهواء من أقطار (3) الأرض وفي الفيافي فلا يراهم خلق، ولا يرون شخصهم، ولا يجالسونهم، ولا يخالطونهم، ولا يؤاكلونهم، ولا يشاربونهم، وأنفر مرده الجن العصاة عن نسل (4) بريتي وخلقي وخيرتي، فلا يجاورون خلقي، واجعل بين خلقي وبين الجان حجابا، فلا يرى خلقي شخص الجن، ولا يجالسونهم، ولا يشاربونهم، و لا يتهجمون تهجمهم، ومن عصاني من نسل خلقي الذي عظمته واصطفيته لغيبي أسكنهم (5) مساكن العصاة وأوردهم موردهم (6) ولا أبالي.
فقالت الملائكة: لا علم لنا الا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم، فقال للملائكة (7): إني خالق بشرا من صلصال من حما مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين (8) قال: وكان ذلك من الله تقدمه للملائكة قبل ان يخلقه احتجاجا منه عليهم، و ما كان الله ليغير ما بقوم الا (9) بعد الحجة عذرا أو نذرا، فامر تبارك وتعالى ملكا من الملائكة فاغترف غرفه بيمينه فصلصلها في كفه فجمدت، فقال الله عز وجل: منك اخلق (10)
صفحة ٤٣
فصل - 2 - 2 - وبالاسناد المذكور، عن ابن بابويه، أخبرنا محمد بن موسى بن المتوكل ومحمد بن علي ماجيلويه، أخبرنا محمد بن يحيى العطار، عن الحسين بن الحسن بن ابان، عن محمد بن أورمة، عن عمرو بن عثمان، عن العبقري *، عن عمرو بن ثابت، عن أبيه، عن حبه العرني، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه قال: ان الله تعالى خلق (1) آدم صلوات الله عليه من أديم الأرض، فمنه السباخ والمالح والطيب، ومن ذريته الصالح و الطالح، وقال: ان الله تعالى لما خلق آدم صلوات الله عليه ونفخ فيه من روحه نهض ليقوم، فقال الله تعالى: و (خلق الانسان عجولا) (2) وهذا (3) علامه للملائكة، ان (4) من أولاد آدم عليه السلام من (5) يصير بفعله صالحا، ومنهم من يكون طالحا بفعله، لا ان من خلق من الطيب لا يقدر على القبيح، ولا أن من خلق من السبخة (6) لا يقد على الفعل الحسن (7).
3 - وبهذا الاسناد عن هشام بن سالم * *، عن أبي عبد الله الصادق صلوات الله عليه
صفحة ٤٤
قال: كانت الملائكة تمر بآدم صلوات الله عليه - أي بصورته - وهو ملقى في الجنة من طين، فتقول لأمر ما خلقت؟ (1).
4 - وبالاسناد المتقدم عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن محمد الحلبي، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: ان القبضة التي قبضها الله تعالى من الطين الذي خلق آدم صلوات الله عليه منه ارسل الله إليها (2) جبرئيل ان يأخذ منها ان شاء، فقالت الأرض: أعوذ بالله ان تأخذ منى شيئا فرجع فقال: يا رب تعوذت بك. فأرسل الله تعالى إليها إسرافيل (3) وخيره، فقالت مثل ذلك، فرجع فأرسل الله إليها ميكائيل (4) وخيره أيضا فقالت مثل ذلك، فرجع فأرسل الله إليها ملك الموت، فأمره على الحتم، فتعوذت بالله ان يأخذ منها، فقال ملك الموت: وانا أعوذ بالله ان ارجع إليه حتى آخذ منك قبضه.
وانما سمى (5) آدم لأنه اخذ من أديم الأرض. وقال: ان الله (6) تعالى خلق آدم من الطين وخلق حوا (7) من آدم، فهمه الرجال الأرض وهمه النساء الرجال. وقيل: أديم الأرض أدنى الأرض الرابعة إلى اعتدال، لأنه خلق وسط الملائكة (8)، (9).
5 - وبالاسناد المذكور، عن محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سيف بن عميره عن أخيه، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله الصادق عليه الصلاة و السلام قال: قلت: سجدت الملائكة لادم صلوات الله عليه ووضعوا جباههم على الأرض؟
صفحة ٤٥
قال: نعم تكرمه من الله تعالى (١).
٦ - وبالاسناد المذكور، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج قال سألت أبا عبد الله عليه السلام أكان إبليس من الملائكة أم (٢) من الجن؟ قال: كانت الملائكة ترى انه منها، وكان الله يعلم أنه ليس منها، فلما امر بالسجود كان منه الذي كان (٣).
٧ - وبالاسناد المذكور، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن الصادق عليه السلام قال:
امر (٤ ) إبليس بالسجود لآدم، فقال: يا رب وعزتك ان أعفيتني من السجود لآدم عليه السلام لأعبدك (٥) عبادة ما عبدك أحد (٦) قط مثلها قال الله (٧) جل جلاله: إني أحب ان أطاع من حيث أريد.
وقال: ان إبليس رن أربع رنات: أولاهن يوم لعن، ويوم اهبط (٨) إلى الأرض، وحين بعث محمد صلى الله عليه وآله وسلم على فترة من الرسل، وحين أنزلت أم الكتاب. ونخر نخرتين حين اكل آدم من الشجرة، وحين اهبط من الجنة.
وقال في قوله تعالى: ﴿فبدت لهما سوأتهما﴾ (9) كانت سوأتهما لا ترى، فصارت ترى بارزه وقال: الشجرة التي نهى عنها آدم صلوات الله عليه هي السنبلة (10).
8 - وفي رواية أخرى عنه عليه السلام انه قال: ان الشجرة التي نهى عنها آدم عليه السلام هي شجره العنب (11).
صفحة ٤٦
ولا تنافى بينهما، لان شجره الجنة تحمل الأنواع من الاكل، وكانت تلك الشجرة تحمل العنب والحنطة جميعا (1).
فصل - 3 - في اخباره:
9 - وعن ابن بابويه، أخبرنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيشابوري، أخبرنا علي بن محمد بن قتيبة، عن أحمد بن سلمان (2) عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: قلت للرضا عليه السلام يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله أخبرنا (3) عن الشجرة التي اكل منها آدم عليه السلام وحوا عليها السلام ما كانت؟ فقد اختلف الناس فيها، فقال عليه السلام يا أبا الصلت انما الشجرة بالجنة (4) تحمل أنواعا فكانت شجره الحنطة وفيها عنب، وليست كشجره الدنيا (5).
10 - وعن ابن بابويه أخبرنا إبراهيم بن هارون الهيتي، (6) أخبرنا أبو بكر (7) أحمد بن محمد بن عيسى، أخبرنا محمد بن يزيد القاضي، أخبرنا قتيبة بن سعيد، أخبرنا الليث (8) بن سعد وإسماعيل (9) بن جعفر عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله، لما خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه التفت آدم يمينه (10) العرش فإذا خمسه أشباح،
صفحة ٤٧
فقال يا رب هل خلقت قبلي من البشر أحدا؟ قال: لا قال: فمن هؤلاء الذين أرى أسماءهم؟
فقال، هؤلاء خمسه من ولدك لولاهم ما خلقتك (1) ولا خلقت الجنة ولا النار (2) ولا العرش ولا الكرسي ولا السماء ولا الأرض ولا الملائكة ولا الجن ولا الانس، هؤلاء خمسه شققت لهم اسما من (3) أسمائي، فانا المحمود وهذا محمد صلى الله عليه وآله وانا الاعلى وهذا علي عليه السلام وانا الفاطر وهذه فاطمة عليه السلا وانا ذو الاحسان وهذا الحسن عليه السلام وانا المحسن وهذا الحسين عليه السلام آليت على نفسي انه لا يأتيني أحد (4) وفي قلبه مثقال حبه من خردل من محبه أحدهم الا أدخلته جنتي وآليت بعزتي انه لا يأتيني أحد وفي قلبه مثقال حبه من خردل من بغض أحدهم الا أدخلته ناري، يا آدم هؤلاء صفوتي من خلقي، بهم أنجي من أنجي وبهم أهلك من أهلك (5).
11 - وفي رواية أخرى: عن أبي الصلت الهروي عن الرضا عليه السلام قال: ان آدم صلوات الله عليه لما أكرمه (6) الله تعالى باسجاده ملائكته له (7) وبادخاله الجنة ناداه الله: ارفع رأسك يا آدم فانظر إلى ساق عرشي، فنظر فوجد عليه مكتوبا (8) لا إله إلا الله محمد رسول الله، علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، وزوجته فاطمة سيده نساء العالمين، والحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة، فقال آدم عليه السلام يا رب من هؤلاء؟ قال عز وجل: هؤلاء ذريتك لولاهم ما خلقتك (9).
صفحة ٤٨
12 - وبالاسناد المتقدم، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن، سنان عن إسماعيل بن جابر، عن عبد الحميد بن أبي الديلم، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: هبط آدم صلوات الله عليه على الصفا، لان المصطفى هبط عليه، قال تبارك وتعالى: (ان الله اصطفى آدم ونوحا) (1) وهبطت حوا عليها السلام على المروة، وانما سميت المروة لأن المرأة هبطت عليها، وهما جبلان عن يمين الكعبة وشمالها، فاعتزلها آدم عليه السلام حين فرق بينهما فكان (2) يأتيها بالنهار فيتحدث عندها فإذا كان الليل خشى ان تغلبه نفسه فيرجع فمكث بذلك ما شاء الله ثم ارسل إليه جبرئيل عليه السلام فقال: (3) السلام عليك يا آدم الصابر لبليته ان الله تعالى بعثني إليك لأعلمك المناسك التي يريد الله ان يتوب عليك بها فانطلق به جبرئيل فاخذ بيده حتى اتى مكان البيت فنزل غمام من السماء فقال له جبرئيل:
يا آدم خط برجلك حيث أظلك هذا الغمام فإنه قبله لك ولآخر عقب من ذريتك فخط هناك آدم برجله فانطلق به إلى منى فأراه مسجد منى فخط برجله بعد ما خط موضع المسجد الحرام وبعد ما خط البيت ثم انطلق إلى عرفات فأقام على المعرف ثم امره جبرئيل عند غروب الشمس ان يقول ربنا ظلمنا أنفسنا سبعا ليكون سنه في ولده يعترفون (4) بذنوبهم هناك ثم امره بالإفاضة (5) من عرفات ففعل آدم عليه السلام ذلك ثم انتهى إلى جمع فبات ليلته بها وجمع فيها (6) الصلاتين في وقت العتمة في ذلك الموضع إلى ثلث الليل وأمره إذا طلعت الشمس ان يسأل الله تعالى التوبة والمغفرة (7) سبع مرات لتكون سنه في ولده فمن لم يدرك عرفات فأدرك جمعا فقد أدرك حجه (8) وأفاض من جمع إلى منى ضحوة فأمره
صفحة ٤٩
ان يقرب إلى الله سبحانه وتعالى قربانا ليتقبل الله منه ويكون سنه في ولده فقرب آدم قربانا فتقبل منه قربانه فأرسل الله نارا من السماء فقبضت قربان آدم (1) فقال له جبرئيل: يا آدم ان الله تعالى قد أحسن إليك ان علمك المناسك فاحلق رأسك تواضعا لله إذ قرب (2) قربانك فحلق آدم صلوات الله عليه رأسه ثم اخذ جبرئيل عليه السلام بيد آدم (3) لينطلق به إلى البيت فعرض له إبليس عند الجمرة فقال: يا آدم أين تريد فقال جبرئيل: يا آدم ارمه بسبع حصيات ففعل آدم عليه السلام (4) فقال جبرئيل: انك لن تراه بعد مقامك هذا ابدا ثم انطلق به إلى البيت فأمره ان يطوف بالبيت سبع مرات ففعل ذلك آدم عليه السلام فقال جبرئيل: حلت لك زوجتك (5).
13 - وعن ابن بابويه أخبرنا محمد بن موسى بن المتوكل أخبرنا عبد الله بن جعفر الحميري عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن علا عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر الباقر صلوات الله عليه قال: ان آدم صلوات الله عليه لما بنى الكعبة وطاف بها قال: (6) اللهم ان لكل عامل اجرا اللهم وإني قد عملت فقيل له (7): سل يا آدم فقال:
اللهم اغفر لي ذنبي فقيل له: قد غفر (8) لك يا آدم فقال: ولذريتي من بعدي فقيل له: يا آدم من باء منهم بذنبه هيهنا كما بؤت غفرت له (9).
14 - وعن ابن بابويه أخبرنا علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل بن
صفحة ٥٠
صالح عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: ان آدم عليه السلام لما طاف بالبيت فانتهى إلى الملتزم فقال جبرئيل عليه السلام: أقر لربك بذنوبك في هذا المكان فوقف آدم صلوات الله عليه فقال: يا رب إن لكل عامل اجرا ولقد عملت فما اجرى؟ فأوحى الله تعالى إليه يا آدم: من جاء من ذريتك إلى هذا المكان فاقر فيه بذنوبه غفرت له (1).
15 - وبهذا الاسناد عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما أفاض آدم صلوات الله عليه من عرفات تلقته الملائكة عليهم السلام فقالوا له: بر حجك يا آدم أما انا قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام (2).
فصل - 4 - في اخباره:
16 - أخبرنا الشيخ محمد بن علي بن عبد الصمد عن أبيه عن السيد أبي البركات الخوري (3) عن أبي جعفر ابن بابويه أخبرنا محمد بن علي ماجيلويه (4) عن عمه محمد بن أبي القاسم عن أحمد بن أبي عبد الله عن ابن أبي نصر عن ابان عن عبد الرحمن بن سيابه عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال: لما طاف آدم صلوات الله عليه بالبيت مائه عام ما ينظر إلى حوا ولقد بكى على الجنة حتى صار على خديه مثل النهرين العظيمين من الدموع ثم اتاه جبرئيل عليه السلام فقال: حياك الله وبياك فلما ان قال: حياك الله تبلج وجهه فرحا ولما قال:
وبياك، ضحك (5) - ومعنى بياك أضحكك - قال: ولقد قام على باب الكعبة وثيابه جلود الإبل والبقر فقال: اللهم أقلني عثرتي واعدني إلى الدار التي أخرجتني منها فقال الله جل
صفحة ٥١
ثناؤه: قد أقلتك عثرتك وسأعيدك إلى الدار التي أخرجتك منها (1).
17 - ومن شجون الحديث ان آدم صلوات الله عليه لما كثر ولده وولد ولده كانوا يتحدثون عنده وهو ساكت فقالوا يا أبه: ما لك لا تتكلم؟ فقال يا بنى: ان الله جل جلاله لما أخرجني من جواره عهد إلى وقال: أقل كلامك ترجع إلى جواري (2).
18 - وبهذا الاسناد، عن أبان بن عيسى (3)، عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام قال: ان آدم صلوات الله عليه لما هبط هبط (4) بالهند ثم رمى إليه بالحجر الأسود وكان ياقوتة حمراء بفناء العرش، فلما رأى عرفه (5)، فأكب عليه وقبله، ثم اقبل به فحمله إلى مكة، فربما أعيى من ثقله، فحمله جبرئيل عنه وكان إذا لم يأته جبرئيل اغتم وحزن، فشكا ذلك إلى جبرئيل، فقال: إذا وجدت شيئا من الحزن فقل: لا حول ولا قوه الا بالله (6).
19 - وفي رواية: ان جبل أبي قبيس قال: يا آدم ان لك عندي وديعة، فرفع (7) إليه الحجر والمقام، وهما يومئذ ياقوتتان حمراوان. (8) 20 - وبالاسناد المتقدم، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن القاسم بن محمد، عن أبي جعفر الباقر عليه الصلاة والسلام قال: اتى آدم صلوات الله عليه هذا البيت الف إتية على قدميه منها سبعمائة حجة وثلاثمائة عمرة (9)
صفحة ٥٢
21 - وبالاسناد المتقدم (1)، عن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن عمرو بن عثمان، عن أبي جميله، عن عامر (2)، عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وسلم ان الله عز وجل حين اهبط آدم صوات الله عليه من الجنة امره ان يحرث بيده، فيأكل من كدها بعد نعيم الجنة، فجعل يجار (3) ويبكي على الجنة مائتي سنه، ثم انه سجد لله سجدة فلم يرفع رأسه ثلاثة أيام ولياليها (4).
22 - وباسناده، عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله الصادق صلوات الله عليه قال: لما بكى آدم صلوات الله عليه على الجنة، وكان رأسه في باب من أبواب السماء وكان يتأذى بالشمس فحط عن (5) قامته وقال: ان آدم لما اهبط من الجنة و اكل من الطعام وجد في بطنه (6) ثقلا فشكا ذلك إلى جبرئيل عليه السلام فقال: ديا آدم فتنح (7)، فنحاه فأحدث وخرج منه الثقل (8).
23 - وباسناده، عن أبي بصير، عن إبراهيم بن محرز، عن أبي حمزه، عن أبي جعفر عليه الصلاة والسلام قال: ان آدم نزل بالهند، فبنى الله تعالى له البيت وأمره ان يأتيه فيطوف به أسبوعا، فيأتي منى وعرفات ويقضى مناسكه كما امر الله تعالى.
صفحة ٥٣
ثم خطا من الهند، فكا موضع قدميه حيث خطا عمران (1)، وما بين القدم والقدم صحارى (2) ليس فيها شئ، ثم جاء إلى البيت فطاف به أسبوعا وقضى مناسكه، فقضاها كما امره الله تعالى، فقبل (3) الله منه توبته وغفر له، فقال آدم صلوات الله عليه يا رب و لذريتي من بعدي فقال: نعم من آمن بي وبرسلي (4).
24 - وباسناده عن ابن محبوب (5) عن مقاتل بن سليمان قال: قلت لأبي عبد الله صلوات الله عليه: كم كان طول آدم صلوات الله عليه حين اهبط إلى الأرض؟ وكم كان طول حوا عليه السلام؟ فقال: وجدنا في كتاب علي عليه السلام ان الله تعالى لما اهبط آدم صلوات الله عليه وزوجته عليه السلام إلى الأرض كان رجلاه على ثنيه الصفا ورأسه دون أفق السماء وانه شكا إلى الله تعالى مما يصيبه من حر الشمس فصير طوله سبعين ذراعا بذراعه و جعل طول حوا خمسه وثلاثين ذراعا بذراعها (6).
25 - عن ابن بابويه أخبرنا أبو أحمد هاني بن محمد بن محمود العبدي (7) أخبرنا أبي أخبرنا محمد بن أحمد بن بطه أخبرنا أبو محمد بن عبد الوهاب بن مخلد أخبرنا أبو الحرث الفهري أخبرنا عبد الله بن إسماعيل، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي زيد بن مسلم (8)، عن أبيه، عن جده، عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لما اكل آدم عليه السلام من الشجرة رفع رأسه إلى السماء، فقال: أسألك بحق محمد الا رحمتني، فأوحى الله إليه ومن محمد؟ فقال: تبارك اسمك لما خلقتني رفعت رأسي إلى عرشك، فإذا فيه مكتوب " لا اله إلا الله محمد رسول الله " فعلمت انه ليس أحد أعظم عندك قدرا ممن جعلت اسمه مع اسمك.
صفحة ٥٤