[مقدمة المؤلف]
وفي الختام: نسأل الله تعالى أن ييسر لنا أمورنا، ويغفر لنا ذنوبنا، ويتقبل هذا العمل منا ويجعله خالصا لوجهه الكريم، وينفع بها عباده الصادقين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتبه
في 10 محرم 1422ه صلاح محمد أبو الحاج
الموافق 3 نيسان 2001م ... شارع حيفا/بغداد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لمن بين لنا الحلال والحرام، وأوضح لنا الأحكام بإنزال كتابه على نبيه خاتم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وفصل لنا المشتبهات والمخفيات ببيان حبيبه سيد الكرام، أشهد أنه لا إله إلا هو وحده لا شريك له في أحسن الانتظام، وأشهد أن سيدنا ومولانا محمدا عبده ورسوله، صاحب العز والمقام صلى الله عليه وعلى آله وصحبه هداة الأنام، وعلى من تبعهم من المجتهدين، والمحدثين، والفقهاء، والأصولين، وسائر العلماء الفخام.
وبعد؛ فيقول الراجي عفو ربه القوي أبو الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي تجاوز الله عن ذنبه الجلي والخفي : قد اشتهر بين العوام كالأنعام أن الحنفية لا يوجبون الحد على من زنى بأمه أو غيرها من محارمه، وصار ذلك مضحكة بينهم، ومنشأ لطعنهم عليهم.
وليس كذلك عند الحنفية، ولا عند غيرهم من الطوائف الباقية من علماء أهل السنة.
صفحة ٨
نعم؛ ذكرت الحنفية أن من نكح بمحرمه فوطئها بعد النكاح يسقط عنه الحد عند الإمام أبي حنيفة الكوفي، ولم يتفرد بذلك، بل قال بذلك سفيان الثوري(1)، وقد خالفه فيه صاحباه أبو يوسف(2) ومحمد(3) وأفتيا بوجوب الحد.
وقد بلغ طعن العوام، الذين لا يفهمون سر المرام، على أبي حنيفة في هذه المسألة حتى تفوه بعضهم بأنه خالف فيها الله ورسوله، وقد اشترك في هذا الطعن أهل التشيع، ومن جهل من أهل التسنن.
صفحة ٩
وليس العجب من الشيعة، فإنهم يسبون الصحابة وسلف الأمة، فلا عجب من الطعن على الأئمة الحنفية، إنما العجب من جهلة أهل السنة يقولون ما لا يفهمون، ويطعنون بما يحسبون أنهم يحسنون.
وقد حضر عندي وأنا جالس بالمسجد وقت صلاة الظهر قبل هذا الشهر بشهور أربعة أو خمسة رجل شيعي ورجال من أهل السنة لفصل النزاع الواقع بينهم، وهو أن الشيعي أحضر كتابا لبعض علماء مذهبه فيه ذكر مسألة سقوط الحد بالوطء بالمحارم بعد العقد منسوبا إلى أبي حنيفة وطعن عليه بهذه المسألة.
وادعى الشيعي أن هذا حلال في مذهبكم؛ لأن سقوط الحد آية الحلة، وقالت أهل السنة: بالحرمة، فلما حضروا عندي، وبينوا ما فيه النزاع.
قلت: هذه المسألة موجودة في كتبنا، ونسبة سقوط الحد بالنكاح صحيحة إلى إمامنا، لكن ليس أن هذا الفعل أي النكاح بالمحرم أو الوطء بعده مباح.
فقال الشيعي: كيف لا يكون كذلك، وإذا لم يجب الحد، وهو عبارة عن عقوبة السيئة، علم أنه لم يوجد الذنب.
فقلت: الحد ليس عبارة عن مطلق العقوبة، بل عن العقوبة المقدرة الشرعية: كحد الزنا، وحد شرب الخمر، وحد القذف، وغيره، فلو ارتكب أحد منكرا، وضربه المحتسب(1) بالأيدي والنعال لا يسمى ذلك حدا. وكذا إذا قتل الحاكم رجلا مفسدا سياسة لا يسمى ذلك حدا.
فعاد قائلا: لا نسلم أن الحد عبارة عن ذلك، بل هو في العرف يطلق على مطلق العقوبة.
صفحة ١٠
فقلت: لا يعتبر العرف العامي، وإنما يعتبر فيه العرف الاصطلاحي الشرعي، سل علماء مذهبك عن معنى الحد المذكور في كتبهم، واعتبر بقولهم، فإنهم أيضا لا يذكرون إلا نحو ما ذكرنا.
فقال: بين لنا نظيره.
فقلت: نظيره شرب الخمر فيه الحد، وشرب البول ليس فيه الحد: أي العقوبة المقدرة، ولا يلزم من ذلك أن يكون مباحا، أو خفيفا إثما بل هو أشد إثما.
ثم عند الحنفية، وإن سقط الحد في هذه المسألة أي حد الزنا وهو الرجم والجلد، لكن يجب فيه على الإمام التعزير حتى القتل سياسة، فهم وإن أسقطوا الحد أخذا بقاعدة: الحدود تندرء بالشبهات، لكنهم أوجبوا ما هو أشد من ذلك.
فأي طعن عليهم.
فبعد تطويل الكلام وتقرير المرام، بهت ذلك الشيعي وتحير ونال أهل السنة لواء الفتح والظفر.
صفحة ١١
ثم بلغني من بلاد متفرقة أن العوام بالغوا في الطعن بهذه المسألة، وشدوا الرحال للحكم بالتفسيق والإضلال، وطلب مني بعض الأحباب أن أكتب في هذا الباب رسالة وافية بتحقيق المراد، كافية لاختيار السداد، أذكر فيها الأحاديث الواردة في هذه المسألة، وأفصل مذاهب الأئمة وفقهاء الأمة، وأبسط فيها مذهب الحنفية، وأشيد أركان الملة الحنيفية، وأدفع ما طعن به الجاهلون الخامدون على ذي المناقب الشريفة الإمام أبي حنيفة الذي قال عبد الله بن المبارك(1) في حقه على ما هو المشهور، وقوله قول منصور:
لقد زان البلاد ومن عليها
إمام المسلمين أبو حنيفة
بأحكام وآثار وفقه
كآيات الزبور على صحيفة
فما في المشرقين له نظير
ولا في المغربين ولا بكوفة
يبيت مشمرا سهر الليالي
وصام نهاره من خيفة
فمن كأبي حنيفة في علاه
إمام للخليقة والخليفة
رأيت العائبين له سفاها
خلاف الحق مع حجج ضعيفة
وكيف يحل أن يؤذى فقيه
له في الأرض آثار شريفة
وقد قال ابن إدريس(2) مقالا
صحيح النقل في حكم لطيفة
بأن الناس في فقه عيال
صفحة ١٢
على فقه الإمام أبي حنيفة فلعنة(1) ربنا أعداد رمل
على من رد قول أبي حنيفة(2)
فأجبت إلى ملتمسهم، وشرعت في انجاح مقترحهم مسميا الرسالة ب:
((القول الجازم في سقوط الحد بنكاح المحارم))
سالكا فيه مسلك الإنصاف، باعدا عن طريق الاعتساف، جعله الله نافعا، وحكما مصلحا عند تنازع عباده، وباعثا لمغفرة مؤلفه ولنجاته.
ولنذكر أولا نبذا من الأحاديث الواردة في هذا الباب، ثم نعقبه بذكر المذاهب فيه، وإحقاق الصواب مرتبا على إفادات مشتملة على مهمات.
* * *
- الأولى -
في إيراد الأخبار مع ما لها وما عليها
صفحة ١٣
أخرج أبو داود(1) في ((سننه)) عن طريق أبي الجهم، عن البراء بن عازب قال: بينما أنا أطوف على إبل لي ضلت، إذ أقبل ركب أو فوارس معهم لواء، فجعل الأعراب يطيفون بي لمنزلتي من النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أتوا قبة فاستخرجوا منها رجلا، فضربوا عنقه، فسألت عنه، فذكروا أنه عرس بامرأة أبيه(2).
وأخرج أيضا من طريق يزيد بن البراء عن أبيه قال: لقيت عمي ومعه راية، فقلت له: أين تريد؟ فقال: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل نكح امرأة أبيه، فأمرني أن أضرب عنقه وآخذ ماله)(3).
وأخرج الحاكم(4) في ((المستدرك))، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (متى وقع على ذات محرم فاقتلوه)(5).
صفحة ١٤
وأخرج على ما ذكره جلال الدين السيوطي(1) في ((الدر المنثور)): عبد الرزاق(2) وابن أبي شيبة(3) ، والحاكم وصححه، والبيهقي(1) في ((سننه)) عن البراء، قال: لقيت خالي ومعه الراية، فقلت له: من تريد؟ فقال: (بعثني رسول الله إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده فأمرني أن أضرب عنقه، وآخذ ماله)(2).(3)
وأخرج ابن ماجه(4) عن إسماعيل بن موسى نا هشيم، وعن سهل بن أبي سهل، نا حفص بن غياث، كلاهما عن أشعث، عن عدي بن ثابت، عن البراء قال: مر بي خالي ، سماه هشيم في حديثه: الحارث بن عمرو، وقد عقد له النبي صلى الله عليه وسلم لواء، فقلت له: أين تريد(5) فقال: (بعثني رسول الله إلى رجل تزوج امرأة أبيه بعده، فأمرت أن أضرب عنقه)(6).
وأخرج أيضا(7) بسنده عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: (بعثني رسول الله إلى رجل تزوج امرأة أبيه أن أضرب عنقه، وأصفي ماله).
صفحة ١٦
وأخرج ابن ماجه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من وقع على ذات محرم فاقتلوه، ومن وقع على بهيمة فاقتلوه، واقتلوا البهيمة)(1).
وأخرج الترمذي(2) عنه مرفوعا: إذا قال الرجل للرجل: (يا يهودي، فاضربوه عشرين، وإذا قال: يا مخنث، فاضربوه عشرين، ومن وقع على ذات محرم فاقتلوه)، ثم قال: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإسماعيل بن إبراهيم يضعف في الحديث.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه رواه البراء بن عازب، وقرة بن إياس المزني: (إن رجلا تزوج امرأة أبيه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله).
والعمل عليه عند أصحابنا، قالوا: من أتى ذات محرم، وهو يعلم، فعليه القتل.
وقال أحمد: من تزوج أمه قتل.
قال إسحاق(3): من وقع على ذات محرم قتل. انتهى كلامه(4).
صفحة ١٧
وأخرج الطحاوي(1) في ((شرح معاني الآثار)) عن فهد قال: نا أبو نعيم، نا الحسن بن صالح السدي، عن عدي بن ثابت عن البراء قال: لقيت خالي ومعه الراية، فقلت: أين تذهب؟ فقال: (أرسلني رسول الله إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه، أو أقتله)(2).
وأخرج أيضا عن فهد، نا يوسف وأبو سعيد الأشج قالا: نا حفص بن غياث، عن أشعث، عن عدي بن ثابت، عن البراء قال: مر بي خالي أبو بردة بن نيار الأسلمي معه اللواء، فذكر مثله إلا أنه قال: (آتيه برأسه)(3).
وأخرج عن محمد بن علي بن داود، ثنا(4) سعيد بن يعقوب الطالقاني قال: نا هشيم، نا الأشعث، عن عدي، عن البراء قال: مر بي الحارث بن عمرو ومعه لواء وقد عقده رسول الله، فقلت: إلى أي شيء بعثك؟ قال: (إلى رجل تزوج امرأة أبيه أن أضرب عنقه)(5).
صفحة ١٨
وأخرج عن فهد، نا أحمد بن يونس، ثنا(1) أبو بكر، عن مطرف، عن أبي الجهم، عن البراء قال: ضلت لي إبل فخرجت في طلبها، فإذا الخيل قد أقبلت، فلما رآى أهل الماء الخيل انضموا إلي، وجاؤوا إلى خباء من تلك الأخبية، فاستخرجوا منها رجلا، فضربوا عنقه، وقالوا: (هذا رجل أعرس بامرأة أبيه فبعث إليه رسول الله فقتله)(2).
تنبيهان:
الأول: المشهور أن اسم أبي بردة، قال البراء: هانئ، فيختلج حينئذ أن في رواية الطحاوي وقع أن صاحب اللواء الحارث، فيتوهم أن الواقعة متعددة، لكن الأمر ليس كذلك، فإنهم ذكروا في اسم أبي بردة اختلافا، وذكروا قول بعضهم أنه الحارث بن عمرو، كما قال ابن عبد البر(3) في ((الاستيعاب في أخبار الأصحاب)): أبو بريدة بن نيار، اسمه هانئ بن نيار، هذا قول أهل الحديث.
وقيل: اسمه هانئ بن عمرو، هذا قول ابن إسحاق.
وقيل: بل اسمه الحارث بن عمرو، ذكره هشام عن الأشعث عن عدي عن البراء قال: مر بي خالي، وهو الحارث بن عمرو، وهو أبو بردة ابن نيار.
وقيل: مالك بن هبيرة ، قاله: إبراهيم بن عبد الله الخزاعي، كان عقبيا، بدريا.
صفحة ١٩
[في ذكر اختلاف الأئمةفي الناكح بالمحرم وواطئه]
(1و(1) شهد العقبة الثانية في قول موسى(2) ، وابن إسحاق ، والواقدي(3).
(4قال أبو(4) معشر: وشهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها.
قال الواقدي : توفي في أول خلافة معاوية بعد شهوده مع علي حروبه كلها. انتهى ملخصا(5).
الثاني: وقع في أكثر الروايات عن البراء : إن صاحب اللواء كان خاله.
وفي بعضها: إنه عمه.
فلا يتوهم منه تعدده ، بل الظاهر أنه أطلق عليه العم على عادة العرب، أو كان بينه وبينه قرابة العمية أيضا من وجه.
* * *
- الإفادة الثانية -
في ذكر اختلاف الأئمة
صفحة ٢٠
في الناكح بالمحرم وواطئه اعلم أنه اتفق العلماء على أنه إذا عقد على محرم من النسب والرضاع فإن العقد غير صحيح، واختلفوا فيما لو وطئ في هذا العقد مع العلم بالتحريم، فقالت الأئمة الثلاثة(1): يجب عليه الحد، وقال أبو حنيفة: يعزر(2).
وكذا اختلفوا في وطء البهيمة، فقال مالك(3) وأبو حنيفة: يعزر، وعن مالك(4): أنه يحد.
وللشافعي(5) ثلاثة أقوال:
(2أحدهما(6): يجب عليه الحد، ويختلف بالبكارة والثيوبة.
والثاني: أنه يقتل بكرا كان أو ثيبا.
والثالث: يعزر، وهو الراجح المفتى به.
وعن أحمد روايتان، التي اختارها جماعة من أصحابه أنه يعزر(7).
صفحة ٢١
وكذا اختلفوا في شأن اللوطي، فقالت الأئمة الثلاثة(1): يجب عليه الحد، وقال أبو حنيفة: يعزر في أول مرة، فإن تكرر منه قتل. كذا في ((رحمة الأمة في اختلاف الأئمة))(2)(3).
وممن قال بوجوب الحد: الحسن البصري كما ذكره البخاري(4) في ((صحيحه)) تعليقا في (كتاب المحاربين) أنه قال: من زنا بأخته حده حد الزاني(5).
صفحة ٢٢
قال القسطلاني(6) في ((شرحه)) عند ابن أبي شيبة(1) عن حفص بن غياث قال: سألت عمرا: ما كان الحسن يقول فيمن تزوج ذات محرم وهو يعلم؟ قال: عليه الحد. انتهى(2).
وممن قال بسقوطه سفيان الثوري.
قال الطحاوي: نا فهد نا أبو نعيم قال: سمعت سفيان يقول في رجل تزوج ذات محرم منه، فدخل بها، قال: لا حد عليه. انتهى(3).
وقال العيني(4) في ((رمز الحقائق شرح كنز الدقائق)): ولا يحد بمحرم: أي بوطئ محرم نكحها، وهذا هو الشبهة في العقد سواء كان عالما بالحرمة أو لم يكن عند أبي حنيفة، ولكن إن كان عالما يوجع بالضرب تعزيرا له، وعندهما: إن كان عالما يحد في كل امرأة محرمة عليه على التأبيد أو ذات زوج؛ لأن حرمتهن بدليل قطعي، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد. انتهى(5).
صفحة ٢٣
وفي ((الفتاوى السراجية))(1): إذا زنى بمحارمه يحد عندهما، وبه أخذ الفقيه أبو الليث(2)، وعليه الفتوى، قاله حسام الدين(3). انتهى(4).
صفحة ٢٤
وفي ((الدر المختار))(5) : ولا حد أيضا بشبهة العقد عنده ، كوطء محرم نكحها، وقالا: إن علم الحرمة حد. وعليه الفتوى ((خلاصة))(1)، لكن المرجح في جميع الشروح قول الإمام، فكان الفتوى عليه أولى، قاله قاسم في ((تصحيحه))، لكن في القهستاني عن ((المضمرات))(2): على قولهما الفتوى. انتهى(3).
صفحة ٢٥
وفي ((جامع الرموز)) للقهستاني(4) : منها شبهة عقد كما إذا تزوج بلا شهود، أو(1) أمة بغير إذن مولاها، وأمة على حرة، ومجوسية، وخمسة في عقدة، أو جمع بين أختين، أو تزوج بمحارمه، أو تزوج العبد أمة بغير إذن مولاها فوطئها، فإنه لا حد في هذه الشبهة عنده، وإن علم بالحرمة بصورة العقد، لكنه يعزر، وأما عندهما فكذلك، إلا إذا علم بالحرمة، والصحيح هو الأول، كما في ((المضمرات)).
وفي موضع منه: إذا تزوج بمحرمه يحد عندهما، وعليه الفتوى.
وذكر في ((الذخيرة))(2) إن بعض المشايخ ظن أن نكاح المحارم باطل عنده، وسقوط الحد بشبهة الاشتباه، وبعضهم: أنه فاسد، والسقوط بشبهة العقد. انتهى(3).
* * *
- الإفادة الثالثة -
في تفصيل مذهب الحنفية وتوجيهه
صفحة ٢٦
اعلم أن أئمتنا الحنفية ذكروا أن الحدود تندرء بالشبهات، وذكروا في سقوط الزنا شبهات، وتفصيل ذلك على ما في ((الجامع الصغير)) وشروحه، و((الهداية))(1) وشروحه(2)، و((الكنز))(3)، و((الوقاية))(4) وشروحهما(1)، وغيرها من الكتب المعتبرة من المتون والشروح والفتاوى المعتمدة أن حد الزنا يسقط بشبهات.
ذكر بعضهم: كمؤلف ((الكنز)) و((الوقاية)) وغيرهما: إن المسقط اثنتان: شبهة في المحل، وشبهة في الفعل.
وبعضهم(2): إن المسقط ثلاث شبهات، وزادوا شبهة بالعقد.
* * *
- أما الشبهة الأولى -
وهي الشبهة في المحل
أي محل الوطء، وهو الموطوءة ، وتسمى شبهة حكمية، وشبهة في الملك أيضا: فهي أن يقوم هناك دليل ناف للحرمة في المحل في نفس الأمر من غير توقف على ظن الجاني واعتقاده، فيورث ذلك اشتباها ولو خفيفا وضعيفا في حرمة المحل، والصور التي توجد فيها هذه الشبهة كثيرة غير محدودة عند التحقيق، وإن ذكر الصدر الشهيد(3) في ((شرح الجامع الصغير)): أنها توجد في ثمانية مواضع، وصاحب ((الهداية))(4) ذكر أنها في ستة مواضع:
صفحة ٢٨
- فمنها - وطء أمة ولده وولد ولده، وإن سفل، والدليل الموجب لشبهة الحل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنت ومالك لأبيك)(1).
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني(2) في ((تخريج أحاديث الهداية)): أخرجه ابن ماجه من حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاءه رجل فقال: إن لي مالا وولدا، وإن أبي يريد أن يجتاح(3) مالي، قال: (أنت ومالك لأبيك)، رجاله ثقات(4).
صفحة ٢٩